أن البعض حاول أن يفسر ذلك على أنه نوع من النزعة الانفصالية التي كانت تتملك نفوس القوم من الناحيتين السياسية والاقتصادية والتي أدت إلى ما يمكن أن يسمى استقلالا دينيا (١) ، إلا أن ذلك لن يغير من الحقيقة شيئا ، وهو أنه شرك محض ، وانطلاقا من هذا ، وكما يقول أنجنل ، فإن الوحدانية التي كان يدركها الإسرائيليون في ذلك الزمن إنما كانت وحدانية تغليب لرب من الأرباب على سائر الأرباب (٢).
وهكذا لم يمض القرن الأول الميلادي حتى كانت ديانة المسيح ، وهي ديانة توحيدية في أصلها وجوهرها ، لا تختلف كثيرا عن ديانات الشرق القديم الوثنية ، بل إنها لم تعد ديانة توحيدية ، وإنما غدت ديانة متعددة الآلهة ، فالمسيح وأمه كانا يقدسان فيها ككائنين إلهيين ، ونافست الديانات المنتشرة وقت ذاك في عقيدة التثليث (٣).
٣ ـ يزعم الفريق الثالث من النصارى أن المسيح إنما هو ابن الله ، تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا ، وإلى هذا يشير القرآن الكريم في قوله تعالى : (وَقالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللهِ ، وَقالَتِ النَّصارى الْمَسِيحُ ابْنُ اللهِ ، ذلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْواهِهِمْ يُضاهِؤُنَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ ، قاتَلَهُمُ اللهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ) (٤) ، ويقول تعالى : (إِنَّمَا اللهُ إِلهٌ واحِدٌ سُبْحانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ ، لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَكَفى بِاللهِ وَكِيلاً) (٥) ، وإذا كان النصارى يعجبون من أمر عيسى لأنه ولد بدون أب ، فأمر آدم عليهالسلام أعجب ، لأنه خلق بدون أب وبدون أم ، فالذي خلق آدم من تراب وقال له كن فيكون ، هو
__________________
(١) ول ديورانت : قصة الحضارة ـ الجزء الثاني من المجلد الأول ـ ترجمة محمد بدران ـ القاهرة ١٩٦١ ص ٢٤٣.
(٢) عباس محمود العقاد : إبراهيم أبو الأنبياء دار الهلال ـ ص ١٢٢.
(٣) ديتلف نلسن : المرجع السابق ص ٢٤٢ ـ ٢٤٣.
(٤) سورة التوبة : آية ٣٠.
(٥) سورة النساء : آية ١٧١.