الذي خلق عيسى من غير أب ، وإلى هذا يشير القرآن الكريم في قوله تعالى : (إِنَّ مَثَلَ عِيسى عِنْدَ اللهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ قالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ، الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُنْ مِنَ الْمُمْتَرِينَ ، فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ وَنِساءَنا وَنِساءَكُمْ وَأَنْفُسَنا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللهِ عَلَى الْكاذِبِينَ) (١) ، وقد أجمع المفسرون أن آية آل عمران (٥٩) نزلت عند حضور وفد نجران على سيدنا رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وكان من جملة شبههم أن قالوا : يا محمد ، لما سلمت أنه (أي عيسى) لا أب له من البشر ، وجب أن يكون أبوه هو الله تعالى ، فقال صلىاللهعليهوسلم : إن آدم ما كان له أب ولا أم ، ولم يلزم أن يكون ابنا لله تعالى ، فكذا القول في عيسى عليهالسلام ، وأيضا إذا جاز أن يخلق الله تعالى آدم من التراب ، فلم لا يجوز أن يخلق عيسى من دم مريم ، بل هذا أقرب إلى العقل ، فإن تولد الحيوان من الدم الذي يجتمع في رحم الأم ، أقرب من تولده من التراب اليابس (٢).
وأخرج في الدلائل بسنده عن ابن عباس : أن وفد نجران من النصارى قدموا على رسول الله صلىاللهعليهوسلم وهم أربعة عشر رجلا من أشرافهم ، منهم السيد ، وهو الكبير ، والعاقب ، وهو الذي يكون بعده وصاحب رأيهم ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم أسلما ، قالا أسلمنا قال ما أسلمتما ، قالا بلى قد أسلمنا قبلك ، قال كذبتما ، يمنعكما من الإسلام ثلاث فيكما : عبادتكما الصليب ، وأكلكما الخنزير ، وزعمكما أن لله ولدا ، ونزل «إن مثل عيسى» الآية ، فلما قرأها عليهم قالوا : ما نعرف ما تقول ، ونزل «فمن حاجك» الآية ، فقال لهم رسول الله صلىاللهعليهوسلم إن الله تعالى قد أمرني ، إن لم تقبلوا هذا ، أن أباهلكم ، فقالوا يا أبا
__________________
(١) سورة آل عمران : آية ٥٩ ـ ٦١ ، وانظر : تفسير الفخر الرازي ٨ / ٧٤ ، تفسير النسفي ١ / ١٦٠ ـ ١٦٢ ، تفسير روح المعاني ٣ / ١٨٦ ـ ١٩٣ ، تفسير الطبري ٣ / ٢٩٥ ـ ٢٩٨ ، تفسير ابن كثير ١ / ٥٥٠ ـ ٥٥٥ ، في ظلال القرآن ١ / ٤٠٤ ـ ٤٠٦ ، تفسير المنار.
(٢) صفوة التفاسير ١ / ٢٠٦ ـ ٢٠٧.