أن أفعال الظن قد تحمل على أفعال العلم فتقع بعدها «أن» المخففة من «أنّ».
ونبهت على قلة ذلك بقولى :
... استجز ... |
|
........ |
ومن أجل قلته اتفق على النصب فى قوله ـ تعالى ـ : (أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا) [العنكبوت : ٢].
واختلف فى (١) : (وَحَسِبُوا أَلَّا تَكُونَ فِتْنَةٌ) [المائدة : ٧١] :
__________________
(١) قرأ البصرى والأخوان برفع النون ، والباقون بنصبها : فمن رفع فـ «أن» عنده مخففة من الثقيلة ، واسمها ضمير الأمر والشأن محذوف تقديره : أنه ، و «لا» نافية ، و «تكون» تامة ، و «فتنة» فاعلها ، والجملة خبر «أن» ، وهى مفسّرة لضمير الأمر والشأن ، وعلى هذا فـ «حسب» هنا لليقين لا للشكّ ، ومن مجيئها لليقين قول الشاعر :
حسبت التّقى والجود خير تجارة |
|
رباحا إذا ما المرء أصبح ثاقلا |
أى : تيقّنت ؛ لأنه لا يليق الشكّ بذلك ، وإنما اضطررنا إلى جعلها فى الآية الكريمة بمعنى اليقين لأنّ «أن» المخففة لا تقع إلا بعد يقين ، فأمّا قوله :
أرجو وآمل أن تدنو مودّتها |
|
وما إخال لدينا منك تنويل |
فظاهره : أنها مخففة لعدم إعمالها ، وقد وقعت بعد «أرجو» و «آمل» وليسا بيقين ، والجواب من وجهين :
أحدهما : أنّ «أن» ناصبة ، وإنما أهملت حملا على «ما» المصدرية ، ويدلّ على ذلك أنها لو كانت مخففة لفصل بينها وبين الجملة الفعلية بما سنذكره ، ويكون هذا مثل قول الله تعالى : (لِمَنْ أَرادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضاعَةَ) ، وكقوله :
يا صاحبىّ فدت نفسى نفوسكما |
|
وحيثما كنتما لقّيتما رشدا |
أن تحملا حاجة لى خفّ محملها |
|
تستوجبا نعمة عندى بها ويدا |
أن تقرآن على أسماء ويحكما |
|
منّى السّلام وألّا تشعرا أحدا |
فقوله : «أن تقرآن» بدل من «حاجة» وقد أهمل «أن» ، ومثله قوله :
إنّى زعيم يا نوي |
|
قة إن نجوت من الرّزاح |
ونجوت من وصب العدوّ |
|
ومن الغدوّ إلى الرّواح |
أن تهبطين بلاد قو |
|
م يرتعون من الطّلاح |
وكيفما قدّر فيما ذكرته من الأبيات يلزم أحد شذوذين قد قيل باحتمال كل منهما : إمّا إهمال «أن» ، وإمّا وقوع المخففة بعد غير علم ، وعدم الفصل بينها وبين الجملة الفعلية.
والثانى من وجهى الجواب : أنّ رجاءه وأمله قويان حتى قربا من اليقين فأجراهما مجراه فى ذلك. وأما قول الشاعر :
علموا أن يؤمّلون فجادوا |
|
قبل أن يسألوا بأعظم سؤل ـ |