وأما «لمّا» فمدلولها انتفاء محدود متصل بزمن النطق بها ؛ فلذلك امتنع أن يقال : «لمّا يكن ثمّ كان» و «لمّا يقض ما لا يكون» ؛ لأن انتفاء قضاء ما لا يكون غير محدود.
وإلى هذا أشرت بقولى :
وحدّ الانتفا بـ «لمّا» واتّصل |
|
بالحال ، وهو ـ مطلقا ـ بـ «لم» حصل |
أى : الانتفاء حصل ـ مطلقا ـ مع «لم».
ولا أشترط كون المنفى بـ «لمّا» قريبا من الحال لقولهم : «عصى إبليس ربّه ولمّا يندم» ؛ بل الغالب كونه قريبا من الحال.
ثم بينت أن «لم» قد تهمل فيليها الفعل مرفوعا كقول الشاعر : [من البسيط]
لو لا فوارس من نعم وأسرتهم |
|
يوم الصّليفاء لم يوفون بالجار (١) |
وزعم بعض الناس أن النصب بـ «لم» لغة اغترارا بقراءة بعض السلف (٢) : (أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ) [الشرح : ١] ـ بفتح الحاء ـ وبقول الراجز : [من الرجز]
فى أى يومىّ من الموت أفرّ |
|
أيوم لم يقدر أم يوم قدر (٣) |
وهذا عند العلماء محمول على أن الفعل مؤكد بالنون الخفيفة ، ففتح لها ما قبلها ، ثم حذفت ونويت ، فبقيت الفتحة كما بقيت فى قول الشاعر : [من المنسرح]
اضرب عنك الهموم طارقها |
|
ضربك بالسّيف قونس (٤) الفرس (٥) |
__________________
(١) البيت بلا نسبة فى الجنى الدانى ص ٢٦٦ ، وخزانة الأدب ١ / ٢٠٥ ، ٩ / ٣ ، ١١ / ٤٣١ ، والدرر ٥ / ٦٨ ، وسر صناعة الإعراب ١ / ٤٤٨ ، وشرح الأشمونى ٣ / ٥٧٦ ، وشرح شواهد المغنى ٢ / ٦٧٤ ، وشرح عمدة الحافظ ص ٣٧٦ ، وشرح المفصل ٧ / ٨ ، ولسان العرب (صلف) ، والمحتسب ٢ / ٤٢ ، ومغنى اللبيب ١ / ٢٧٧ ، ٣٣٩ ، والمقاصد النحوية ٤ / ٤٤٦ ، وهمع الهوامع ٢ / ٥٦.
(٢) ينظر : المحتسب (٢ / ٣٦٦).
(٣) الرجز للإمام على بن أبى طالب فى ديوانه ص ٧٩ ، وحماسة البحترى ص ٣٧ ، وللحارث بن منذر الجرمى فى شرح شواهد المغنى ٢ / ٦٧٤ ، وبلا نسبة فى الأشباه والنظائر ٢ / ١٤ ، والخصائص ٣ / ٩٤ ، والجنى الدانى ص ٢٦٧ ، وشرح الأشمونى ٣ / ٥٧٨ ، ولسان العرب (قدر) ، والمحتسب ٢ / ٣٦٦ ، ومغنى اللبيب ١ / ٢٧٧ ، والممتع فى التصريف ١ / ٣٢٢ ، ونوادر أبى زيد ص ١٣.
(٤) قونس الفرس : أعلى رأسه. ينظر : القاموس (قنس).
(٥) البيت لطرفة بن العبد فى ملحق ديوانه ص ١٥٥ ، وخزانة الأدب ١١ / ٤٥٠ ، والدرر ـ