__________________
ـ القراءة الأولى فجواب الشرط فيها قوله «فتذكّر» ، وذلك أنّ حمزة رحمهالله يقرأ : «فتذكّر» بتشديد الكاف ورفع الراء فصحّ أن تكون الفاء وما فى حيّزها جوابا للشرط ، ورفع الفعل لأنه على إضمار مبتدأ أى : فهى تذكّر ، وعلى هذه القراءة فجملة الشرط والجزاء هل لها محلّ من الإعراب أم لا؟ قال ابن عطية : «إنّ محلها الرفع صفة لامرأتين» ، وكان قد تقدّم أن قوله :
«ممّن ترضون» صفة لقوله «فرجل وامرأتان».
قال الشيخ : «فصار نظير «جاءنى رجل وامرأتان عقلاء حبليان» وفى جواز مثل هذا التركيب نظر ، بل الذى تقتضيه الأقيسة تقديم «حبليان» على «عقلاء» ؛ وأما إذا قيل بأن «ممّن ترضون» بدل من رجالكم ، أو متعلّق بـ «استشهدوا» فيتعذّر جعله صفة لامرأتين للزوم الفصل بين الصفة والموصوف بأجنبى». قلت : وابن عطية لم يبتدع هذا الإعراب ، بل سبقه إليه الواحدى فإنه قال : «وموضع الشرط وجوابه رفع بكونهما وصفا للمذكورين وهما «امرأتان» فى قوله : «فرجل وامرأتان» لأن الشرط والجزاء يوصف بهما ، كما يوصل بهما فى قوله : (الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقامُوا الصَّلاةَ).
والظاهر أنّ هذه الجملة الشرطية مستأنفة للإخبار بهذا الحكم ، وهى جواب لسؤال مقدّر ، كأن قائلا قال : ما بال امرأتين جعلتا بمنزلة رجل؟ فأجيب بهذه الجملة.
وأما القراءة الثانية فـ «أن» فيها مصدرية ناصبة للفعل بعدها ، والفتحة فيه حركة إعراب ، بخلافها فى قراءة حمزة ، فإنها فتحة التقاء ساكنين ، إذ اللام الأولى ساكنة للإدغام فى الثانية ، والثانية مسكّنة للجزم ، ولا يمكن إدغام فى ساكن ، فحرّكنا الثانية بالفتحة هربا من التقائهما ، وكانت الحركة فتحة ؛ لأنها أخفّ الحركات ، و «أن» وما فى حيّزها فى محلّ نصب أو جرّ بعد حذف حرف الجر ، وهى لام العلة ، والتقدير : لأن تضلّ ، أو إرادة أن تضلّ. وفى متعلّق هذا الجارّ ثلاثة أوجه :
أحدها : أنه فعل مضمر دلّ عليه الكلام السابق ، إذ التقدير : فاستشهدوا رجلا وامرأتين لأن تضلّ إحداهما ، ودلّ على هذا الفعل قوله : «فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان» ، قاله الواحدى ، ولا حاجة إليه ، لأنّ الرافع لرجل وامرأتين مغن عن تقدير شىء آخر ، وكذلك الخبر المقدّر لقولك : «فرجل وامرأتان» إذ تقدير الأول : فليشهد رجل.
وتقدير الثانى : فرجل وامرأتان يشهدون لأن تضلّ ، وهذان التقديران هما الوجه الثانى.
والثالث من الثلاثة المذكورة.
وهنا سؤال واضح جرت عادة المعربين والمفسّرين يسألونه وهو : كيف جعل ضلال إحداهما علة لتطلّب الإشهاد أو مرادا لله تعالى ، على حسب التقديرين المذكورين أولا؟ وقد أجاب سيبويه وغيره عن ذلك بأن الضلال لمّا كان سببا للإذكار ، والإذكار مسبّبا عنه ، وهم ينزّلون كلّ واحد من السبب والمسبّب منزلة الآخر لالتباسهما واتصالهما كانت إرادة الضلال المسبّب عنه الإذكار إرادة للإذكار ، فكأنه قيل : إرادة أن تذكّر إحداهما الأخرى إن ضلّت ، ونظيره قولهم : «أعددت الخشبة أن يميل الحائط فأدعمه ، وأعددت السلاح أن يجىء عدوّ فأدفعه» فليس إعدادك الخشبة لأن يميل الحائط ولا إعدادك السلاح لأن يجىء عدوّ ، وإنما هما للدّعم إذا مال وللدفع إذا جاء العدو ، وهذا ممّا يعود ـ