وأما بعد التركيب فمدلولها المجمع عليه : معنى المجازاة ، وهو من معانى الحروف ـ ومن ادعى أن لها مدلولا آخر زائدا على ذلك فلا حجة له ـ وهى مع ذلك غير قابلة لشىء من العلامات التى كانت قابلة لها قبل التركيب ؛ فوجب انتفاء اسميتها ، وثبوت حرفيتها ؛ كما ذهب إليه سيبويه.
وما سوى «إن» و «إذما» من أدوات الشرط ، فأسماء بإجماع المحققين.
وهى على ثلاثة أضرب :
ضرب لا ظرفية فيه وهو : «من» ، و «ما» و «مهما» ـ فى الأشهر ـ.
وضرب لا يخلو من ظرفية وهو : «أين» و «متى» و «حيثما» و «أنّى».
وضرب يستعمل ظرفا وغير ظرف وهو : «أى» : تكون عارية من الظرفية إذا أضيفت إلى ما لا يدل على زمان ومكان ، وتكون ظرف زمان إذا أضيفت إلى اسم زمان ، وظرف مكان إذا أضيفت إلى مكان نحو : «أيّهم تضرب أضرب» و «أى وقت تقم أقم» و «أى مكان تجلس أجلس».
وإلى هذا كله أشرت بقولى :
...... وانسب إلى |
|
ظرفيّة ما بعد «أى» وخلا |
ما قبلها منها و «أى» بحسب |
|
مصحوبها تعزى لما له انتسب |
أى : تنسب (أى) إلى الأسماء المجردة عن الظرفية إن أضيفت إلى شىء منها ، وإلى أسماء الزمان أو المكان إن أضيفت إلى شىء منها ؛ لأنها بعض ما تضاف إليه.
وإنما قلت : و «ما» و «مهما» فى الأشهر ؛ لأن جميع النحويين يجعلون «ما» و «مهما» مثل «من» فى لزوم التجرد عن الظرفية مع أن استعمالهما ظرفين ثابت فى أشعار الفصحاء من العرب ؛ كقول الفرزدق : [من الطويل]
وما تحى لا أرهب وإن كنت جارما |
|
ولو عدّ أعدائى على لهم ذحلا (١) |
وكقوله : [من الوافر]
وما تك يا ابن عبد الله فينا |
|
فلا ظلما نخاف ولا افتقارا (٢) |
__________________
(١) الذحل : الثأر : أو هو العداوة والحقد.
والبيت فى ديوانه ٢ / ١٢٧ ، وشرح الأشمونى ٣ / ٥٨١.
(٢) البيت بلا نسبة فى شواهد المغنى ٢ / ٧١٥ ، ومغنى اللبيب ١ / ٣٠٣.