فإن كان آخر الفعل ألفا كـ «يخشى» و «يسعى» حذفت الألف وحركت ياء المؤنثة وواو الجمع بما يجانسهما ؛ نحو : «هل تخشينّ يا هند» ، و «هل تسعونّ يا قوم» ، ولو كانت النون خفيفة لقلت : «هل تخشين يا هند» ، «هل تسعون يا قوم».
ولو كان المسند إليه ألفا لم يجز أن يؤتى بالنون إلا مشددة ؛ هذا مذهب سيبويه (١) ، وغيره من البصريين ، إلا يونس فإنه يجيز أن يؤتى بعد الألف بالنون الخفيفة مكسورة ؛ ويعضد قوله قراءة بعض القراء : (فَقُلْنَا اذْهَبا إِلَى الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا فَدَمَّرْناهُمْ تَدْمِيراً)(٢) [الفرقان : ٣٦] ؛ حكاها ابن جنى (٣).
ويمكن أن يكون من هذا قراءة ابن ذكوان (٤) : (وَلا تَتَّبِعانِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ) [يونس : ٨٩].
__________________
(١) قال سيبويه : وأما يونس وناس من النحويين فيقولون : «اضربان زيدا» ، و «اضربنان زيدا» ، فهذا لم تقله العرب ، وليس له نظير فى كلامها. لا يقع بعد الألف ساكن إلا أن يدغم. ينظر : الكتاب (٣ / ٥٢٧).
(٢) العامة على قراءة «فدمّرناهم» فعلا ماضيا معطوفا على محذوف ، أى : فذهبا فكذبوهما «فدمّرناهم تدميرا» أهلكناهم إهلاكا. وقرأ علىّ. كرم الله وجهه. «فدمّراهم» أمر لموسى وهارون ، وعنه أيضا : «فدمّرنّاهم» كذلك أيضا ، ولكنه مؤكد بالنون الشديدة ، وعنه أيضا : «فدمّرا بهم» بزيادة باء الجر بعد فعل الأمر ، وهى تشبه القراءة قبلها فى الخط ، ونقل عنه الزمخشرى : «فدمّرتهم» بتاء المتكلم. فإن قيل : الفاء للتعقيب والإهلاك لم يحصل عقيب بعث موسى وهارون إليهم بل بعد مدة مديدة.
فالجواب : فاء التعقيب محمولة هنا على الحكم بالإهلاك لا على الوقوع. وقيل : إنه تعالى أراد اختصار القصة ؛ فذكر المقصود منها أولها وآخرها ، والمراد : إلزام الحجة ببعثة الرسل ، واستحقاق التدمير بتكذيبهم.
واعلم أن قوله : «كذّبوا بآياتنا» إن حملنا تكذيب الآيات على تكذيب الآيات الإلهية فلا إشكال ، وإن حملناه على تكذيب آيات النبوة ، فاللفظ وإن كان للماضى ، فالمراد به المستقبل.
ينظر : اللباب (١٤ / ٥٣١).
(٣) قال أبو الفتح : «ألحق نون التوكيد ألف التثنية ؛ كما تقول : اضربان زيدا ، ولا تقتلان جعفرا».
(٤) قوله : (وَلا تَتَّبِعانِّ) قرأ العامة بتشديد التاء والنون ، وقرأ حفص بتخفيف النون مكسورة مع تشديد التاء وتخفيفها ، وللفراء فى ذلك كلام مضطرب بالنسبة للنقل عنه : فأما قراءة العامة فـ «لا» فيها للنهى ؛ ولذلك أكد الفعل بعدها ، ويضعف أن تكون نافية ؛ لأن تأكيد المنفى ضعيف ، ولا ضرورة بنا إلى ادعائه ، وإن كان بعضهم قد ادعى ذلك فى قوله : (لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا) [الأنفال : ٢٥] لضرورة دعت إلى ذلك هناك ، وقد تقدم تحريره ودليله فى موضعه ، وعلى الصحيح تكون هذه الجملة جملة نهى معطوفة على جملة أمر ، وأما قراءة حفص فتحتمل أن تكون للنفى ، وأن تكون للنهى ، فإن كانت للنفى كانت النون نون رفع ، والجملة حينئذ فيها أوجه : ـ