قال أبو بكر : معناه : لِلَّهِ دَرُّك إذا استعملتَ ما أمرتُك به ، واتَّعظت بِعظتي.
وذهب بعض أهل العِلْم إلى أنه دعاء على الحقيقة.
وقوله في حديث خُزَيْمَةَ : «أَنَعِمْ صباحا تَرِبتْ يداك» ، يدلّ على أَنه ليس بدعاء عليه ، بل هو دعاء له وترْغيبٌ في استعمال ما تقدمت الوَصاةُ به ، ألا تراهُ قال : أنعم صباحا ثم عَقبَه ، تربَتْ يداك ، والعربُ تقولُ : لا أمَّ لك ولا أبَ لك ، يريدون لِلَّه دَرُّك ، قال :
هَوَتْ أُمُّه ما يَبْعَثُ الصبحُ غادِيا |
وماذا يؤَدِّي الليلُ حِينَ يَؤُوبُ |
فظاهره : أَهْلَكه الله ، وباطِنه : لِلَّه درّه ، قال : وهذا المعنى أراده جميل بقوله :
رَمَى اللهُ في عَيْنَيْ بُثَيْنَة بِالقَذَى |
وبالغُرّ من أبنائِها بالفَوادِحِ |
أراد لِلَّه درّها ما أحسن عَيْنَيْها ، وأراد بالغُر من أبنائها ساداتِ أهل بيتها ، قال : وقال بعضهم : لا أُمَّ لك ولا أَرْضَ لك ، ذَمٌ ولا أبَ لك ولا أبا لك ، مدح وهذا خطأ ، ألا ترى أن الفصيح من الشعراء قال : وهَوَتْ أمُّه ، في موضع المدح.
ورَوَى شمر عن ابن الأعرابيّ : رجل تَرِب فقير ، ورجل تَرِبٌ لازِقٌ بالتراب من الحاجّة ليس بينه وبين الأرض شيء.
وقال أبو العباس : التَّتْرِيْبُ كَثْرَةُ المال ، قال : والتَّتْرِيبُ قلة المال أيضا ، قال : وأَتْرَبَ الرجلُ إذا مَلَك عَبْدا مُلِكَ ثلاثَ مرَّاتٍ.
وقال الليث : التُّرْبُ والتُّرابُ واحد إلا أنهم أَنَّثوا قالوا : التُّرْبةُ ، يقال : أرض طيّبة التربة ، أي خِلْقَةُ ترابها ، فإذا عَنَيْتَ طاقةً واحدةً من التراب قلت : تُرَابَةٌ ، وتلك لا تدرك بالبصر دِقَّةً إلا بالتوهّم ، وطعامٌ تَرِبٌ إذا تَلَوَّث بالتُّراب. ومنه حديث علي : «لئن وَلِيتُ بَني أُمَيَّةَ لانْفُضَنَّهم نَفْضَ القَصَّابِ الوِزَامَ التَّرِبَةَ».
وقال غيره : تَتَرَّبَ فُلانا تَتَرُّبا إذا تَلَوَّث في التُّراب ، وتَرَّبَ الكتاب تتريبا ، ورِيحٌ تَرِبٌ وتَرِبَةٌ قد حَمَلَت تُرابا.
قال ذو الرمة :
* مرَّا سَحَابٌ ومَرَّ بارِحٌ تَرِبُ *
وقيل : تَرِبٌ أي كثير التراب.
وقال الليث : التَّرْبَاءُ نَفْسُ التُّراب ، يقال : والتُّرباء ، لأضربنه حتى يَعَضَ بالتَّرْباءِ.
وفي الحديث : «خَلَقَ الله التُّرْبَةَ يوم السبت ، وخلق فيها الجبالَ يوم الأحد ، والشجرَ يومَ الاثنين ، والتِّرْبُ اللِّدَةُ ، ويقال : هذه تِرْب هذه ، وقوله : (عُرُباً أَتْراباً (٣٧)) [الواقعة : ٣٧] أي أَمْثَالا وهما تِرْبان.