فيجعل القنديل الذي في القبلة عند القبر على رأسه ؛ هو إرشاد لكيفيّة الزيارة ، وأن يكون بينه وبين القبر فاصل. فقيل : إنَّه يبعد عنه بمقدار أربعة أذرع ، وقيل : ثلاثة ، وهذا على أنَّ البعد أولى وأليق بالأدب كما كان في حياته صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وعليه الأكثر. وذهب بعض المالكيّة إلى أنَّ القرب أولى ، وقيل : يعامل معاملته في حياته ، فيختلف ذلك باختلاف الناس ، وهذا باعتبار ما كان في العصر الأوّل ، وأمّا اليوم فعليه مقصورة تمنع من دنوّ الزائر فيقف عند الشبّاك.
٢١ ـ لا يرفع في الزيارة صوته ولا يخفيه بل يقتصد ، وخفض الصوت عنده صلّى الله عليه أدب للجميع. أخرج القاضي عياض (١) بإسناده عن ابن حميد قال : ناظر أبو جعفر ـ أمير المؤمنين ـ مالكاً في مسجد رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فقال له مالك : يا أمير المؤمنين لا ترفع صوتك في هذا المسجد ، فإنَّ الله تعالى أدّب قوماً فقال (لا تَرْفَعُوا أَصْواتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِ) (٢) الآية ، ومدح قوماً فقال : (إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْواتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ) (٣) الآية ، وذمَّ قوماً فقال : (إِنَّ الَّذِينَ يُنادُونَكَ مِنْ وَراءِ الْحُجُراتِ) (٤) الآية ، وإنَّ حرمته ميّتاً كحرمته حيّا ، فاستكان لها أبو جعفر وقال : يا أَبا عبد الله ، أستقبل القبلة وأدعو أم استقبل رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم؟
فقال : ولِمَ تصرف وجهك عنه وهو وسيلتك ووسيلة أبيك آدم عليهالسلام إلى الله تعالى يوم القيامة؟ بل استقبله واستشفع به فيشفعك الله تعالى ، قال الله تعالى : (وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جاؤُكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللهَ) (٥) الآية.
__________________
(١) الشفا بتعريف حقوق المصطفى : ٢ / ٩٢.
(٢) الحجرات : ٢.
(٣) الحجرات : ٣.
(٤) الحجرات : ٤.
(٥) النساء : ٦٤.