عبادة لغير الله وجدت حجَّته ترجع إلى مقدّمتين صدقت كبراهما وهي : كلّ عبادة لغير الله شرك. وهي معلومة من الدين بالضرورة ، ثمّ يسوق عليه الأدلّة بالآيات الواردة فى المشركين ، وكذبت صغراهما ، وهي قوله : كلّ نداءٍ لميّت أو غائب أو طواف بقبر أو تمسّح به أو ذبح أو نذر لصاحبه ... إلخ ، فهو عبادة لغير الله.
ثمّ يسوق الآيات والأحاديث الصحاح التي لم يفهمها أو تعمّد في تأويلها على غير وجهها ، ثمّ يخرج من هذا القياس الذي فسدت إحدى مقدّمتيه بنتيجة لا محالة كاذبة ، وهي : أنَّ جمهور المسلمين ـ إلاّ إيّاه ومن شايعه ـ مشركون كافرون ، وقد أجاد تلخيص هذا المذهب وأدلّته وتزييفها منطقيّا وأُصوليّا كلّ الإجادة سيّد أهل التحقيق وتاج أهل التدقيق الإمام أبو عبد الله محمد بن عبد المجيد الفاسي ، المتوفّى سنة تسع وعشرين ومائتين وألف في مؤلّفٍ ردّ به على ذلك المذهب ،ينطق بعلوِّ كعب هذا الإمام.إلى أن قال :
ولقد تعدّى هذا الرجل حتى على الجناب المحمّدي فقال : إنَّ شدّ الرحال إلى زيارته معصية ، وإنّ من ناداه مستغيثاً به ـ عليه الصلاة والسلام ـ بعد وفاته فقد أشرك ، فتارةً يجعله شركاً أصغر ، وأُخرى يجعله شركاً أكبر ، وإن كان المستغيث ممتلئ القلب بأنَّه لا خالق ولا مؤثِّر إلاّ الله ، وأنَّ النبيَّ ـ صلى الله عليه ـ إنَّما تُرفع إليه الحوائج ويُستغاث به ، على أنَّ الله جعله منبع كلِّ خير ، مقبول الشفاعة ، مستجاب الدعاء صلىاللهعليهوآلهوسلم كما هي عقيدة جميع المسلمة ، مهما كانوا من العامّة. انتهى.
وأخبر جمال الدين عبد الله بن محمد الأنصاري المحدِّث ، قال : رحلنا مع شيخنا تاج الدين الفاكهاني (١) إلى دمشق ، فقصد زيارة نعل سيّدنا رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم التي بدار الحديث الأشرفيّة بدمشق وكنت معه ، فلمّا رأى النعل المكرّمة حسر عن رأسه
__________________
(١) الفقيه المالكي المتضلّع في الفقه وأصوله والأدب ، له تآليف قيّمة ، توفّي (٧٣٤). (المؤلف)