وكذلك يدعو عند هذه القبور عند نازلة نزلت به أو بالمسلمين ، ويتضرّع إلى الله تعالى في زوالها وكشفها عنه وعنهم.
وهذه صفة زيارة القبور عموماً ، فإن كان الميّت المزار ممّن تُرجى بركته ، فيتوسّل إلى الله تعالى به. وكذلك يتوسّل الزائر بمن يراه الميّت ممّن تُرجى بركته إلى النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم ، بل يبدأ بالتوسّل إلى الله تعالى بالنبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم ؛ إذ هو العمدة في التوسّل والأصل في هذا كلّه والمشرِّع له ، فيتوسّل به صلىاللهعليهوآلهوسلم وبمن تبعه بإحسان إلى يوم الدين ، وقد روى البخاري (١) عن أنس رضى الله عنه أنَّ عمر بن الخطّاب رضى الله عنه كان إذا قحطوا استسقى بالعبّاس ، فقال : اللهمّ كنّا نتوسّل إليك بنبيّك صلىاللهعليهوآلهوسلم فتسقينا ، وإنّا نتوسّل إليك بعمِّ نبيّك فاسقنا. فيُسقَون.
ثمّ يتوسّل بأهل تلك المقابر ـ أعني بالصالحين منهم ـ في قضاء حوائجه ومغفرة ذنوبه ، ثمَّ يدعو لنفسه ولوالديه ، ولمشايخه ، ولأقاربه ، ولأهل تلك المقابر ، ولأموات المسلمين ولأحيائهم وذرّيتهم إلى يوم الدين ، ولمن غاب عنه من إخوانه ، ويجأر إلى الله تعالى بالدعاء عندهم ، ويكثر التوسّل بهم إلى الله تعالى ؛ لأنّه سبحانه وتعالى اجتباهم وشرّفهم وكرّمهم ، فكما نفع بهم في الدنيا ففي الآخرة أكثر.
فمن أراد حاجة فليذهب إليهم ويتوسّل بهم فإنّهم الواسطة بين الله تعالى وخلقه ، وقد تقرّر في الشرع وعلم ما لله تعالى بهم من الاعتناء وذلك كثير مشهور ، وما زال الناس من العلماء والأكابر كابراً عن كابر ، مشرقاً ومغرباً ، يتبرّكون بزيارة قبورهم ويجدون بركة ذلك حسّا ومعنىً ، وقد ذكر الشيخ الإمام أبو عبد الله بن النعمان رحمهالله في كتابه المسمّى بسفينة النجاء لأهل الالتجاء ، في كرامات الشيخ أبي النجاء في أثناء كلامه على ذلك ما هذا لفظه :
__________________
(١) صحيح البخاري : ١ / ٣٤٢ ح ٩٦٤ و ٣ / ١٣٦٠ ح ٣٥٠٧.