كليهما المدخل إليها وهما أيضاً على تلك الصفة بعينها ، والأستار البديعة الصنعة من الديباج معلّقة على الجميع.
ومن أعجب ما شاهدناه في دخولنا إلى هذا المسجد المبارك حجر موضوع في الجدار الذي يستقبله الداخل ، شديد السواد والبصيص (١) ، يصف الأشخاص كلّها كأنّه المرآة الهنديّة الحديثة الصقل. وشاهدنا من استلام الناس للقبر المبارك ، وإحداقهم به وانكبابهم عليه وتمسّحهم بالكسوة التي عليه ، وطوافهم حوله مزدحمين داعين باكين متوسِّلين إلى الله سبحانه وتعالى ببركة التربة المقدّسة ، ومتضرِّعين بما يُذيب الأكباد ، ويصدع الجماد ، والأمر فيه أعظم ، ومرأى الحال أهول ، نفعنا الله ببركة ذلك المشهد الكريم. وإنّما وقع الإلماع بنبذةٍ من صفته مستدلاّ على ما وراء ذلك ، إذ لا ينبغي لعاقل أن يتصدّى لوصفه ، لأنّه يقف موقف التقصير والعجز ، وبالجملة فما أظنُّ في الوجود كلّه مصنعاً أحفل منه ، ولا مرأىً من البناء أعجب ولا أبدع ، قدّس الله العضو الكريم الذي فيه بمنِّه وكرمه.
وفي ليلة اليوم المذكور بتنا بالجبّانة المعروفة بالقرافة ، وهي أيضاً إحدى عجائب الدنيا لما تحتوي عليه من مشاهد الأنبياء ـ صلوات الله عليهم أجمعين ـ ، وأهل البيت والصحابة ـ رضوان الله عليهم ـ ، والتابعين والعلماء والزهّاد والأولياء ذوي الكرامات الشهيرة والأنباء الغريبة ، وإنَّما ذكرنا منها ما أمكنتنا مشاهدته ، فمنها : قبر ابن النبيّ صالح ، وقبر روبيل بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم خليل الرحمن ـ صلوات الله عليهم أجمعين ـ ، وقبر آسية امرأة فرعون ، ومشاهد أهل البيت ـ رضي الله عنهم أجمعين ـ مشاهد أربعة عشر من الرجال وخمس من النساء ، وعلى كلّ واحد منها بناء حفيل ، فهي بأسرها روضات بديعة الإتقان عجيبة البنيان ، قد وكّل بها قوم يسكنون فيها ويحفظونها ، ومنظرها منظر عجيب ، والجرايات متّصلة
__________________
(١) البصيص : اللمعان.