مسجد بين يدي ضريح أبي حنيفة بالكلس والنورة وغيره ، فجمع سنة ستّ وثلاثين وأربعمائة وأنا ابن خمس سنين أو دونها بأشهر ، وكان المنفق عليه تركيّ قدم حاجّا ، ثمّ قدم أبو سعد المستوفي وكان حنفيّا متعصّباً ، وكان قبر أبي حنيفة تحت سقف عمله بعض أمراء التركمان ، وكان قبل ذلك ـ وأنا صبيٌّ ـ عليه خربشت (١) خاصّ له وذلك في سنتي سبع أو ثمان وثلاثين قبل دخول الغُزّ (٢) بغداد سنة سبع وأربعين ، فلمّا جاء شرف الملك سنة ثلاث وخمسين عزم على إحداث القبّة وهي هذه ، فهدم جميع أبنية المسجد وما يحيط بالقبر وبنى هذا المشهد ، فجاء بالقطّاعين والمهندسين وقدّر لها ما بين أُلوف آجر ، وابتاع دوراً من جوار المشهد ، وحفر أساس القبّة ، وكانوا يطلبون الأرض الصلبة فلم يبلغوا إليها إلاّ بعد حفر سبعة عشر ذراعاً في ستّة عشر ذراعاً (٣) ، فخرج من هذا الحفر عظام الأموات الذين كانوا يطلبون جوار النعمان أربعمائة صنّ (٤) ، ونقلت جميعها إلى بقعة كانت ملكاً لقوم ، فحفر لها ودُفنت. إلى أن قال :
أخبرنا محمد بن ناصر الحافظ ، أنبأنا أبو الحسين المبارك بن عبد الجبّار الصيرفي ، قال : سمعت أبا الحسين بن المهتدي يقول : لا يصحُّ أنَّ قبر أبي حنيفة في هذا الموضع الذي بنوا عليه [القبَة] (٥) ، وكان الحجيج قبل ذلك يردون ويطوفون حول المقبرة فيزورون أبا حنيفة لا يعيّنون موضعاً.
وقال ابن خلّكان في تاريخه (٦) (٢ / ٢٩٧) : قبره مشهور يزار ، بُني عليه المشهد والقبّة سنة (٤٥٩) ، وقال ابن جُبير في رحلته (٧) (ص ١٨٠) : وبالرصافة مشهد حفيل
__________________
(١) خربشْت : كلمة فارسية ، ومعناها المظلّة التي يظلّل بها السقف لوقايته من الشمس والمطر.
(٢) الغُزّ : جنس من الترك.
(٣) في النسخة المعتمدة لدينا : يوماً.
(٤) الصَّنّ : زبيل كبير مثل السلّة المطبقة.
(٥) الزيادة من المصدر.
(٦) وفيات الأعيان : ٥ / ٤١٤ رقم ٧٦٥.
(٧) رحلة ابن جبير : ص ٢٠٢.