هذه الفرية الشائنة ، وهل تجد شيئاً من هاتيك الأعمال مختصّا بالشيعة فحسب؟ لاها الله. وهل الأعمال التي تأتي بها الشيعة عند القبور ـ وقد زعم الرجل أنّها كاشفة عن الغلوِّ والتأليه لعلّي وولده ـ غير ما يأتي به أهل السنّة وفي مقدّم هم أئمّتهم عند تلكم المزارات من لدن عصر الصحابة حتى اليوم من سرد ألفاظ زيارة جامعة لفضائل المزور ، ومن الدعاء عند قبره ، والصلاة لديه ، وختم القرآن عنده وإهدائه إليه ، والتوسّل والاستشفاع به ، وطلب قضاء الحاجة من الله تعالى بوسيلته ، والتبرّك به بالتزام أو تمريغ أو تقبيل ، وتعظيمه بكلّ ما اقتضته حرمته واستوجبه خطره ، فلو صحّت أحلام ابن تيميّة وتابعيه وتكون هذه الأعمال بدعةً وضلالاً وغلوّا وتأليهاً ، وفاعلها خارجاً عن ربقة الإسلام ، لم يبقَ عندئذٍ معتنق للإسلام منذ يومه الأوّل إلاّ ابن تيميّة ومن لفَّ لفَّه.
فحقيقٌ على القارئ الآن أن يقف على كلمة القصيمي الأخرى ، ويكون على بصيرةٍ من أنَّ الشيعة ليس بينها وبين المذاهب الأربعة قطّ اختلاف في هذه المواضيع الهامّة ، وإنّما هي ممّا تسالمت عليه الأمّة الإسلاميّة جمعاء ، غير أنّ كتّاب الهواهي (١) هاج هائجهم على الشيعة فأجّجوا عليهم نيران الإحن والشحناء ، وجاءوا يقطّعون كلمة التوحيد بأقلام مسمومة ، ويشقّون عصا المسلمين ، ويلقون الخلاف بينهم. (أُولئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَاتَّبَعُوا أَهْواءَهُمْ) (٢).
ذكر في الصراع (٢ / ٦٤٨) قول العلاّمة الأمين من قصيدة له :
لا بدع أن كان الدعاء إليه في |
|
ها صاعداً وبغيرها لم يصعد |
ثم قال : هذا القول عند جميع المسلمين على اختلاف مذاهبهم ونحلهم من أقوال
__________________
(١) الهواهي : اللغو من القول ، والأباطيل.
(٢) محمد : ١٦.