٩ ـ ذكر الحافظ ابن الجوزي في صفة الصفوة (١) (٤ / ٢٢٨) عن سهل بن عبد الله ، قال : لقد رأيت رجلاً يقال له مالك بن القاسم جبليّ ، وقد جاء ويده غمرة (٢) ، فقلت له : إنّك قريب عهد بالأكل؟ فقال لي : أستغفر الله فإنَّني منذ أسبوع لم آكل ، ولكن : أطعمت والدتي وأسرعت لألحق صلاة الفجر ، وبينه وبين الموضع الذي جاء منه سبعمائة فرسخ فهل أنت مؤمن بذلك؟ فقلت : نعم. فقال : الحمد لله الذي أراني مؤمناً موقناً.
١٠ ـ روى ابن الجوزي في صفة الصفوة (٣) (٤ / ٢٩٣) عن موسى بن هارون ، قال : رأيت الحسن بن الخليل بن مرّة بعرفات وكلّمته ، ثمّ رأيته يطوف بالبيت فقلت : ادع الله لي أن يقبل حجّي. فبكى ودعا لي.
ثمّ أتيت مصر فقلت : إنَّ الحسن كان معنا بمكّة ، فقالوا : ما حجَّ العام ، وقد كان يبلغني أنّه يمرّ إلى مكّة في كلّ ليلة فما كنت أُصدِّق حتى رأيته ، فعاتبني وقال : شهرتني ما كنت أُحبّ أن تحدّث بها عنّي ، فلا تعد بحقّي عليك.
قال الأميني : في وسع الباحث أن يؤلِّف من أمثال هذه القصص المبثوثة في طيّ الكتب والمعاجم تأليفاً حافلاً ، ونحن اقتصرنا بالمذكور روماً للاختصار ، ويستفاد منها أنَّ الوليّ الذي مُنَّ عليه بطيّ الأرض له أن يأخذ معه من شاء وأراد من أخلاّئه وخدمه ، فتطوى لصاحبه الأرض أيضاً كرامةً لذلك الوليّ الصالح فضلاً عن نفسه ، وهذه كلّها لا يناقش فيها مهما لم يكن الوليُّ الموصوف من العترة الطاهرة ، وإلاّ فهناك كلُّ الجدال والمناقشة ، وكلُّ الهوس والهياج.
__________________
(١) صفة الصفوة : ٤ / ٢٥٤ رقم ٧٨٨.
(٢) أي عليها أثر الطعام.
(٣) صفة الصفوة : ٤ / ٣٢٢ رقم ٨٤٠.