أقلتكم بيعتي فبايعوا من شئتم (١)؟ أو يخيّر الناس سبعة أيّام؟ كيف كان يرى لنفسه خياراً في حلّ عقد بيعته عن رقاب الناس وإقالتهم ، وقد أبى الله والمؤمنون إلاّ إيّاه؟ ثمّ كيف يكل أمر الأمّة إلى مشيئتها وقد رُدّت مشيئة النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم في ذلك؟ ووقع في السموات ما وقع يوم أعرب صلىاللهعليهوآلهوسلم عن أُمنيّته.
٢٩ ـ وما كان عذره في قوله من خطبة له : أيّها الناس هذا عليّ بن أبي طالب لا بيعة لي في عنقه وهو بالخيار من أمره ، ألا وأنتم بالخيار جميعاً في بيعتكم ، فإن رأيتم لها غيري فأنا أوّل من يبايعه. السيرة الحلبية (٢) (٣ / ٣٨٩).
لعلّ الحرية في الرأي حول البيعة حدثت بعد ما وقع دونها ما وقع في السموات والأرض ؛ بعد ما هرول عمر بين يدي أبي بكر ونبر (٣) حتى أزبد شدقاه ؛ بعد ما قيل لحباب بن المنذر البدوي مخالف تلك البيعة : إذن يقتلك الله ؛ بعد ما حُطّم أنف الحباب وضُرب يده ؛ بعد ما نودي على سعد أمير الخزرج : اقتلوه قتله الله إنّه منافق ؛ بعد ما أخذ قيس بن سعد لحية عمر قائلاً : والله لو حصصت منه شعرة ما رجعت وفي فيك واضحة ؛ بعد ما قال الزبير وقد سلّ سيفه : لا أغمده حتى يُبايَع عليّ ؛ بعد ما قال عمر : عليكم الكلب ـ يعني الزبير ـ فأخذ السيف من يده وضُرب به على الحجر ؛ بعد ما دافعوا مقداداً في صدره ؛ بعد التهاجم على دار النبوّة وكشف بيت فاطمة وإخراج من كان فيه للبيعة عنوةً ؛ بعد ما أقبل عمر بقبس من نار إلى دار فاطمة ، بعد ما قال عمر : لتخرجنّ إلى البيعة أو لأحرقنّها على من فيها ؛ بعد ما خرجت بضعة المصطفى عن خدرها وهي تبكي وتنادي بأعلى صوتها : «يا أبتِ يا رسول الله ما ذا لقينا بعدك من ابن الخطّاب وابن أبي قحافة» بعد ما قادوا عليّا عليهالسلام إلى البيعة كما يُقاد
__________________
(١) الإمامة والسياسة : ١ / ١٦ [١ / ٢٢] ، الرياض النضرة : ١ / ١٧٥ [١ / ٢١٧]. (المؤلف)
(٢) السيرة الحلبية : ٣ / ٣٦٠.
(٣) النبر : ارتفاع الصوت.