إن هي إلاّ نبرات فيها نترات لفّقتها المطامع في لماظة العيش ، ونُجفة (١) الحياة ، وزخارف الدنيا القاضية على سعادة البشر.
إن هي إلاّ قبسات الفتن المضلّة ، وجذوات مقابس العاطفة والهوى ، تفتن الجاهل المسكين ، وتحيده عن رشده ، وتجعله في بهيتة من أمر دينه ، فتحترق بها أصول سعادته في الحياة الدنيا.
إنّ هي إلاّ مدرّسات الأمّة فاحش التقوّل ، وسيّئ الإفك والافتعال ، تعلّمها الحياد عن مناهج الصدق والأمانة ، وتحثّها على الكذب على الله وعلى قدس صاحب الرسالة ، وعلى أمنائه وثقات أُمّته.
هل يجد الباحث سبيلاً لنجاته عن هذه الورطات المدلهمّة؟ وهل يُرجى له الفوز من تلكم السلاسل وقد صفّدته من حيث لا يشعر؟ أيّ مصدر وثيق يحقّ أن يثق به الرجل؟ وعلى أيّ كتاب أو على أيّ سنّة حريّ بأن يحيل أمره؟ أليست الكتب مشحونةً بتلكم الأكاذيب المفتعلة المنصوص على وضعها؟ أليست تلكم المئات من أُلوف الأحاديث المكذوبة مبثوثة في طيّات التآليف والصحف؟
ما حيلة الرجل وهو يرى المؤلّفين بين من يذكرها مرسلاً إيّاها إرسال المسلّم ، وبين من يخرجها بالإسناد ويردفها بما يموّه على الحقّ ممّا يعرب عن قوّتها؟ أو يرويها غير مشفّع بما فيها من الغميزة متناً أو إسناداً؟ كلّ ذلك في مقام سرد الفضائل ، أو إثبات الدعاوي الفارغة في المذاهب.
ثمّ ما حيلته؟ وهو يشاهد وراء أولئك الأوضاح من المؤلّفين أفّاك القرن الرابع عشر ـ القصيمي ـ رافعاً عقيرته بقوله : ليس في رجال الحديث من أهل السنّة من هو متّهم بالوضع والكذابة. راجع (ص ٢٠٨).
__________________
(١) يقال : انتجف اللبن إذا استخرج أقصى ما في الضرع منه ، ونجفة الحياة : ما استُفرِغ من لذائذها.