ذلك في بعض الأوقات وعلى مقتضى الحاجات ، وقد أخبر ـ عليه الصلاة والسلام ـ المصلّين خلفه أنَّه يراهم من وراء ظهره ؛ لما لهم في ذلك من الفائدة المذكورة في الحديث ، وكان يمكن أن يأمرهم وينهاهم من غير إخبار بذلك ، وهكذا سائر كراماته ومعجزاته ، فعمل أمّته بمثل ذلك في هذا المكان أولى منه في الوجه الأوّل ، ولكنّه مع ذلك في حكم الجواز لما تقدّم من خوف العوارض كالعجب ونحوه.
الثالث : أن يكون فيه تحذير أو تبشير ليستعدَّ لكلٍّ عدّته ، فهذا أيضاً جائز ، كالإخبار عن أمر ينزل إن لم يكن كذا ، أو لا يكون إن فعل كذا فيعمل على وفق ذلك .. إلخ.
فهلاّ كان من الغيب نبأ ابن نوح ، وأنباء قوم هود وعاد وثمود ، وقوم إبراهيم ولوط ، وذكرى ذي القرنين ، ونبأ من سلف من الأنبياء والمرسلين؟
وهلاّ كان منه ما أسرَّ به النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم إلى بعض أزواجه فأفشته إلى أبيها (فَلَمَّا نَبَّأَها بِهِ قالَتْ مَنْ أَنْبَأَكَ هذا قالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ) (١)؟
وهلاّ كان منه ما أنبأ موسى صاحبه من تأويل ما لم يستطع عليه صبراً (٢)؟
وهلاّ كان منه ما كان يقول عيسى لأمّته (وَأُنَبِّئُكُمْ بِما تَأْكُلُونَ وَما تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ) (٣)؟
وهلاّ كان منه قول عيسى لبني إسرائيل (يا بَنِي إِسْرائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْراةِ وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ) (٤)؟
__________________
(١) التحريم : ٣.
(٢) في قوله تعالى : (قَالَ إنَّكَ لَنْ تَسْتَطيعَ مَعِيَ صَبْراً) الآية ٦٧ من سورة الكهف.
(٣) آل عمران : ٤٩.
(٤) الصف : ٦.