الخوض في حياة قطرب ، وخاصة إذا تأملنا ما يلي :
(أ) امتلأت كتب التراجم والتاريخ عن سيبويه وأنه قد تتلمذ على يد الخليل وأنه كان أنجب تلاميذه على الإطلاق.
وعلى ما تذكره كتب التراجم توفي سيبويه عام ١٦١ ه أو ١٧٧ ه (١) وقيل غير ذلك ... إلخ. أي كانت وفاته قبل الخليل (وهو مستبعد) أو بعد الخليل بزمن يسير (وهو الأقرب إلى المنطق) وذكرت الكتب أيضا أن قطربا كان يبكر إلى سيبويه قبل حضور أحد من التلاميذ (٢) واستمرار قطرب في التبكير إلى سيبويه يحتاج إلى زمن ليس بالقليل حتى يشعر به سيبويه ويطلق عليه هذا اللقب ، وهذا يدل أيضا على حرص قطرب ، إذا أضفنا إلى ذلك وجود قطرب في بصرة الخليل حيث كان الخليل ملء العين والسمع فلنا أن نتخيل سعي قطرب للأخذ من علم الخليل وأن الخليل كان عالما به عارفا إياه ، وأن ذكر الخليل لقطرب ليس مستغربا.
(ب) والخليل نفسه ذكر سيبويه في نص من نصوصه التي نسبت إليه محققة ، فقد ورد في كتاب الجمل في النحو تصنيف الخليل بن أحمد الفراهيدي (٣) في باب جمل الواوات عند ما كان الخليل يتكلم عن واو الإقحام وذكر قول الله تعالى (٤) (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ) وأن معناه : يصدون ، والواو فيه واو إقحام قال الخليل : «ومثله قول الله عزّ وجلّ : (٥) (فَلَمَّا أَسْلَما ، وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ وَنادَيْناهُ أَنْ يا إِبْراهِيمُ ، قَدْ صَدَّقْتَ
__________________
(١) وفيات الأعيان ٣ / ٤٦٤.
(٢) وفيات الأعيان ٤ / ٣١٢.
(٣) هذا الكتاب حققه الدكتور فخر الدين قباوه وقدّم الطبعة الثانية منه ١٤٠٧ ه. ١٩٨٧ م مؤسسة الرسالة بيروت انظر ص ٢٨٨ وقد قرأت جزءا من هذا الكتاب مخطوطا أثناء زيارتي للمكتبة السليمانية باستانبول في تركيا ، ولكنه كان بعنوان «جملة الآلات الإعرابية في النحو» وهذا المخطوط قدمه الدكتور فخر الدين قباوة على أنه جزء من كتاب الجمل.
(٤) سورة الحج الآية ٢٥.
(٥) سورة الصافات الآيات من ١٠٣ ـ ١٠٥ وانظر الجمل للخليل ص ٢٨٨.