هل يمكن أن يكون العامان فرقا زمنيا كبيرا إلى هذا الحد الذي يجعل النضر ابن شميل تلميذا للخليل وصديقا له ويجعل قطربا بعيدا عن الخليل ، فلا صداقة ولا ذكر ولا معرفة إطلاقا؟ أعتقد أن العامين ليس لهما هذا التأثير الكبير ، وإنما لا بد من وجود شيء ما جعل المؤرخين يقفون من قطرب موقفا سلبيا بصمتهم عن تلك العلاقة بين الخليل وقطرب ، وربما كان في قول ابن الأنباري ما يدل على صحة استنتاجنا.
يقول ابن الأنباري (١) عن قطرب : «وكان يذهب إلى مذهب المعتزلة ، ولما صنّف كتابه في التفسير أراد أن يقرأه في الجامع فخاف من العامة وإنكارهم عليه ؛ لأنه ذكر فيه مذهب المعتزلة ، فاستعان بجماعة من أصحاب السلطان ليتمكن من قراءته بالجامع (توفي سنة ٢٠٦ ه في خلافة المأمون). ربما في هذا بعض الصحة.
وإذا كان النضر بن شميل قد توفي سنة ٢٠٤ هجرية وكان من تلاميذ الخليل وأصحابه فإن الأمر يكون أكثر إثارة وغرابة عند ما نعلم أن الأصمعي تلميذ الخليل وصديقه أيضا قد توفي سنة ٢١٣ ه أو ٢١٧ ه ؛ أي بعد وفاة قطرب بسبع سنوات أو بإحدى عشرة سنة ، ومع ذلك كان من المقربين إلى الخليل.
يقول ابن الأنباري (٢) عن وفاة الأصمعي : «قال أبو العباس توفي الأصمعي بالبصرة وأنا حاضر سنة ثلاث عشرة ومائتين ، ويقال توفي سنة سبع عشرة ومائتين ، في خلافة المأمون» وقيل إنه توفي سنة ٢١٠ ه (٣).
فقطرب المتوفى سنة ٢٠٦ هجرية لم يتتلمذ على يد الخليل مع دأبه وشغفه بالعلم عامة وبعلوم القرآن خاصة ، والأصمعي المتوفي سنة ٢١٧ أو حتى ٢١٠ ه على أقصى الآراء كان صديقا للخليل وتلميذا مقربا إليه. أليس في ذلك ما يشير إلى الريبة؟ أعتقد أن هناك إغفالا متعمدا وصمتا هادفا عن
__________________
(١) نزهة الألبا ص ٧٧.
(٢) نزهة الألبا ص ١٠٠.
(٣) طبقات النحويين واللغويين ص ١٧٤.