فقيل له : عن العرب أخذتها أم أخترعتها من نفسك؟ فقال : إن العرب نطقت على سجيتها وطباعها ، وعرفت مواقع كلامها ، وقام في عقولها علله وإن لم ينقل ذلك عنها ، اعتللت أنا بما عندي أنه علة لما عللته منه فإن أكن أصبت العلة فهو الذي التمست ، وإن تكن هناك علة له فمثلي في ذلك مثل رجل حكيم دخل دارا محكمة البناء عجيبة النظم والأقسام وقد صحت عنده حكمة بانيها ...»
وعلق الزجاجي في نهاية نص الخليل قائلا : «وهذا كلام مستقيم وإنصاف من الخليل رحمة الله عليه».
وإذا كان ـ على ما يبدو ومن الخبر السابق ـ أن الخليل أول من تحدث عن العلة ، وقطرب أول من ألف عنها كتابا مستقلا. ألا يمكن أن يكون هذا تأثيرا مباشرا من أستاذه الخليل؟ ومثل هذا أيضا يقال عن علم القوافي الذي كان الخليل أول من تحدث عنه ، وكان قطرب من أوائل ـ إن لم يكن أول ـ من ألّف كتابا عنه. ألا يكون الأمر منطقيا عند ما نقول إنه تأثير من الخليل مباشر على قطرب؟
ونضيف إلى ما سبق أن كثرة مؤلفات قطرب إلى حد لافت للنظر يمكن أن تؤدي إلى التأكيد على وجود سرّ ما في تجاهل كتب التراجم لعرض حياة قطرب تفصيلا ، فقطرب «له من التصانيف كتاب معاني القرآن وكتاب الاشتقاق وكتاب القوافي وكتاب النوادر وكتاب الأزمنة وكتاب الفرق وكتاب الأصوات وكتاب الصفات وكتاب العلل في النحو وكتاب الأضداد وكتاب خلق الفرس ، وكتاب خلق الإنسان وكتاب غريب الحديث وكتاب الهمز ، وفعل وأفعل والردّ على الملحدين في تشابه القرآن وغير ذلك» (١).
ولعل فيما مضى أدلة على عدم الغرابة في أن يذكر الخليل قطربا وينسب رأيا ما له ، مما يؤدي ـ في نهاية الأمر ـ إلى القول بأن ذكر قطرب في
__________________
(١) الأعلام ٧ / ٩٥ ، وفيات الأعيان ٤ / ٣١٢.