ف (من) للخفض صراحة على لسان الخليل في كل ما رجعنا إليه في منظومته النحوية وكتاب (الجمل) (ومعجم العين) وما روي عنه في كتب كثيرة ، لهذا ـ كما يقول أحد الباحثين المحدثين (١) ـ «فالوجه أن يقال إن الخليل أول من استعمل الخفض ، فقد أطلقه على ما وقع من أعجاز الكلم منوّنا نحو : زيد وخالد ، وكأنّ الكوفيين تابعوا الخليل في هذا المصطلح».
والذي لا شك فيه أن الخليل استخدم (الخفض) ، لكنه لم يستخدمه لاعجاز الكلم المنون فقط كما أشار الدكتور السامرائي فالخليل استخدم (الخفض) مع الأعجاز غير المنونة أيضا ، ولعل ما ذكره في منظومته (٢) وفي كتاب الجمل في مواضع كثيرة ما يدل على هذا الرأي ، وعلى الرغم من أن الدكتور مهدي المخزومي ذكر هذا الرأي فإنه يؤمن بأن «مصطلح الخفض ليس من وضع الكوفيين ولا الجرّ من وضع البصريين ؛ وإنما هما مقتبسان من أوضاع الخليل ومصطلحاته إلا أن الكوفيين توسعوا في (الخفض) (٣) ..
إلخ» ، فكما أن الخليل استخدم مصطلح (الخفض) فإنه استخدم مصطلح (الجر) كثيرا في مواضع متعددة من الأقوال المنقولة عنه (٤) ، وفي منظومته النحوية يوجد «باب حروف الجر» (٥) قال الخليل (٦) بعده مباشرة :
وحروف خفض الجر عندي جمّة |
|
فيها البيان لمن أتاني يطلب |
ما بعدها خفض ورفع فعلها |
|
ولقد تلوح كما تلوح الأشهب |
ولعل قول الخليل (خفض الجر) من قبيل إضافة الشيء إلى مرادفه كما أشار النحاة إلى جواز ذلك ، فقد نقل عن كثير من النحويين منهم الأخفش
__________________
(١) المدارس النحوية د. السامرائى ١٣٢ ، وقد أشار الدكتور ابراهيم السامرائي إلى أنه نقل هذا الرأي للخليل من كتاب الايضاح في علل النحو للزجاجي ص ٩٣ بتحقيق الدكتور مازن المبارك طبعة القاهرة ١٣٧٨ ه ـ ١٩٥٩ م ، وقد بحثت عن هذا الرأي في الطبعة الخامسة ، وهي طبعة القاهرة ١٤٠٦ ه ـ ١٩٨٦ م ولم أعثر على هذا الرأي للخليل ، وهناك إشارة في الطبعة الخامسة إلى أن الطبعة الأولى كانت عام ١٣٩٤ ه ـ ١٩٧٤ م وليس التاريخ الذي ذكره الدكتور السامرائي ، ولعله نقل هذا الرأي من مصدر آخر لا من هذا المصدر وعلى أية حال فالخليل يستخدم الخفض في أعجاز الكلمات المنونة كما ذكر منذ قليل.
(٢) أبيات كثيرة من المنظومة منها البيت ٢٥٢ الذي ذكر منذ قليل مع (أمس).
(٣) الجمل ص ١٧٢ ـ ١٨٩ نماذج كثيرة لذلك.
(٤) مدرسة الكوفة ٣١١.
(٥) لا أدرى هل هذا العنوان من وضع الخليل أم من وضع نسّاخ المخطوطة؟
(٦) المنظومة البيتان ٣٢ ، ٣٣.