والفرّاء جواز إضافة الشيئ إلى مرادفه أو إلى نفسه وجعلوا من ذلك نحو (وَلَدارُ الْآخِرَةِ ، * حَقُّ الْيَقِينِ ، * حَبْلِ الْوَرِيدِ ، وَحَبَّ الْحَصِيدِ) وظاهرة كتاب (التسهيل وشرحه) الموافقة على الرأي السابق (١) وكأن الجميع استقوا من نبع الخليل ، واغترفوا من استخداماته وآرائه ومصطلحاته.
نستطيع أن نخرج من كل ذلك ؛ بأن الخليل قد استخدم مصطلح الخفض استخداما واسع الدلالة للمعرب والمبني على السواء ، كذلك استخدم مصطلح الجر للكلمات المعربة سواء كان آخرها منونا أو غير منوّن ، وسواء كان إعرابها بالحركات أو بالحروف ، ولم يستخدم الجر للأفعال ، وهذا عكس ما قاله الخوارزمي ونسبه إلى الخليل حين يقول (٢) : «والجر وهو وقع في أعجاز الأفعال المجزومة عند استقبال ألف الوصل نحو : (لم يذهب الرجل) ولا أظن أن ذلك صحيح من الخوارزمي ، فقد كان الخليل يسمّي ذلك كسرا.
قال سيبويه (٣) : وسألته (أي الخليل) ـ رحمه الله ـ عن الضاربي (أي لماذا لم تدخل نون الوقاية قبل الياء) فقال : هذا اسم ، ويدخله الجر ، وإنما قالوا في الفعل : (ضربني ويضربني) ، كراهية أن يدخلوا الكسرة في هذه الباء ، كما تدخل الأسماء ، فمنعوا هذا أن يدخله كما منع الجر. فإن قلت : قد تقول اضرب الرجل فتكسر ، فإنك لم تكسرها كسرا يكون للأسماء ، إنما يكون هذا لالتقاء الساكنين ، قال الشعراء (ليتي) إذا اضطروا ، كأنهم شبهوه بالاسم حين قالوا (الضاربي)».
فالخليل يقصد وجود كسرة على آخر الفعل وليس (الجر) كم قال الخوارزمي. فالفعل لا يجر ، والجر من خصائص الأسماء ، فالخليل كان ذا عقلية دقيقة ولا يفوته مثل هذه الأخطاء ، فمما ورد عنه أنه كان يفرق بين
__________________
(١) حاشية الصبان ٢ / ٢٥٠ ، شرح الأشموني ٢ / ٢٥٠ ، النحو الوافي عباس حسن ٣ / ٥١ فقد نقل عن صاحب المصباح المنير مادة (ظهر) (ظهر غنى) أي نفس الغنى ، (نسيم الصب) ا وهي نفس الصبا. قال الأخفش وحكاه الجوهري عن الفرّاء ، والعرب تضيف الشيء إلى نفسه.
(٢) مفاتيح العلوم للخوارزمي ص ٣٠.
(٣) الكتاب ٢ / ٣٦٩ ، ٣٧٠ وما بين الأقواس إضافة تفسيرية يقتضيها الموقف.