حقا لو لم تكن هذه القوى الثلاث ، أفيكون بمقدور الإنسان أن يحل مشاكل حمله ونقله بواسطة المراكب العادية البسيطة؟ حتى هذه المراكب والوسائط البسيطة هي بحدّ ذاتها من نعمه سبحانه ، وهي فعالة في مجالها.
والطريف أنّ الآية (٣٢) من سورة إبراهيم تقول : (وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ) أمّا هنا فإنّ الآية تقول : (سَخَّرَ لَكُمُ الْبَحْرَ لِتَجْرِيَ الْفُلْكُ فِيهِ) لأنّ التأكيد هناك كان على تسخير البحار ، ولذلك اتبعتها بقولها : (وَسَخَّرَ لَكُمُ الْأَنْهارَ) أمّا هنا فإنّ الآية ناظرة إلى تسخير الفلك ، وعلى أية حال ، فإنّهما معا مسخران للإنسان بأمر الله سبحانه ، وهما في خدمته.
إنّ الهدف من هذا التسخير هو أن تبتغوا من فضل الله ، وهذا التعبير يأتي عادة في مورد التجارة والنشاطات الاقتصادية ، ومن الطبيعي أنّ نقل المسافرين من مكان الى آخر في ضمن هذا التسخير.
والهدف من الاستفادة من فضل الله هو إثارة حسن الشكر لدى البشر ، لتعبئة عواطفهم لأداء شكر المنعم ، وبعد ذلك يسيرون في طريق معرفة الله سبحانه.
كلمة «الفلك» ـ وكما قلنا سابقا ـ تستعمل للمفرد والجمع.
ولمزيد من التفصيل حول تسخير البحار والفلك ، ومنافعها وبركاتها ، راجعوا ذيل الآية (١٤) سورة النحل.
بعد بيان السفن التي لها تماس مباشر بحياة البشر اليومية ، تطرقت الآية التي بعدها إلى مسألة تسخير سائر الموجودات بصورة عامة ، فتقول : (وَسَخَّرَ لَكُمْ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مِنْهُ).
فقد كرّمكم إلى درجة أنّ سخر لكم كلّ موجودات العالم ، وجعلها في خدمتكم ولتأمين مصالحكم ومنافعكم ، فالشمس والقمر ، والرياح والمطر ، والجبال والوديان ، والغابات والصحاري ، والنباتات والحيوانات ، والمعادن والمنابع الغنية التي تحت الأرض ، وبالجملة فإنّه أمر كلّ هذه الموجودات أن تكون في خدمتكم ،