ومطيعة لأمركم ، ومنفذة لإرادتكم ، لتتمتعوا بنعمه ومواهبه سبحانه ، ولا تذهلوا في سكرة الغفلة عنه.
ومما يستحق الانتباه أنّه يقول : (جَمِيعاً مِنْهُ) (١) فإذا كانت كلّ النعم منه ، وهو خالقها وربها ومدبرها جميعا ، فلما ذا يعرض الإنسان عنه ويلجأ إلى غيره ، ويتسكع على اعتبار المخلوقات الضعيفة ، ويبقى في غفلة وذهول عن المنعم الحقيقي عليه؟ ولذلك تضيف الآية في النهاية : (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ).
لقد كانت الآية السابقة تلامس عاطفة الإنسان وتحاول إثارتها ، وهنا تحاول هذه الآية تحريك عقل الإنسان وفكره ، فما أعظم رحمة ربّنا سبحانه!! إنّه يتحدث مع عباده بكلّ لسان وأسلوب يمكن أن يطبع أثره ، فمرّة بحديث القلب ، وأخرى بلسان الفكر ، والهدف واحد من كلّ ذلك ، ألا وهو إيقاظ الغافلين ودفعهم إلى سلوك السبيل القويم.
وقد أوردنا بحثا مفصلا حول تسخير مختلف موجودات العالم في ذيل الآيات ٣١ ـ ٣٣ من سورة إبراهيم.
ثمّ تطرقت الآية التالية إلى ذكر قانون أخلاقي يحدد كيفية التعامل مع الكفار لتكمل أبحاثها المنطقية السابقة عن هذا الطريق ، فحولت الخطاب إلى النّبي صلىاللهعليهوآلهوسلم وقالت : (قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لا يَرْجُونَ أَيَّامَ اللهِ).
فمن الممكن أن تكون معاملة هؤلاء قاسية ، وتعبيراتهم خشنة غير مؤدبة ، وألفاظهم بذيئة ، وذلك لبعدهم عن مبادئ الإيمان وأسس التربية الإلهية ، غير أنّ عليكم أن تقابلوهم بكلّ رحابة صدر لئلا يصروا على كفرهم ويزيدوا في تعصبهم ،
__________________
(١) ثمّة احتمالات عديدة في إعراب (جميعا منه) وتركيبها ، فقد احتمل الزمخشري في الكشاف احتمالين : الأول : إنّ (جميعا منه) حال لـ (ما في السموات وما في الأرض) أي إنّها جميعا مسخرة لكم لكنّها منه سبحانه. والآخر : إنّه خبر لمبتدأ محذوف ، والتقدير : هي منه جميعا. واحتمل البعض أيضا أن تكون تأكيدا لـ (ما في السموات وما في الأرض).