الله (١) ، أبو علي المنصور بن العزيز الفاطمي ، خليفة مصر أمر بتخريب كنيسة القمامة في بيت المقدس (٢) وأباح للعامة ما كان لها من أموال وأمتعة وغير ذلك ، وكان ذلك بسبب ما أنهي إليه من الفعل الذي تتعاطاه (٣) النصارى يوم الفصح من النار التي يحتالون بها بحيث يتوهم الأغمار من جهلتهم أنها نزلت (٤) من السماء ، وأنها مصبوغة بدهن البيلسان في خيوط الإبريسم الرفاع المدهونة بالكبريت وغيره بالصنعة اللطيفة التي تروج على العظام منهم والعوام ، وهم إلى الآن يستعملونها في القمامة ، ويسمى ذلك اليوم عندهم سبت النور ، ويقع فيه من المنكر بحضور المسلمين ما لا يحل سماعه ولا رؤيته من جهرهم بالكفر ، ورفع أصواتهم بقولهم (٥) : يا لدين الصليب ، وإظهار كتبهم ورفع الصلبان على رؤوسهم ، وغير ذلك في الأمور التي تقشعر منها الأجساد.
ثم لما توفي الحاكم بأمر الله في شوال سنة ٤١١ ه (٦) ولي بعده ولده (٧) الظاهر لإعزاز دين الله (٨) ، أبو الحسن علي ، واستمر إلى أن توفي في شعبان سنة ٤٢٧ ه (٩) ، ثم توفي بعده ولده المستنصر بالله (١٠) ، أبو تميم معد ، فهادن ملك الروم على أن يطلق خمسة آلاف أسير ليمكن من عمارة قمامة التي كان خربها جده الحاكم في أيام خلافته ، فأطلق الأسرى ، وأخرج ملك الروم عليها أموال عظيمة.
قلت : والذي يظهر أن تخريبها لم يكن تخريبا كليا بل كان في غالبها ، والله أعلم.
__________________
(١) الحاكم بأمر الله منصور بن نزار بن معد بن إسماعيل بن محم العبيدي الفاطمي ، أبو علي ولد سنة ٣٧٥ ه / ٩٨٥ م ، متأله ، غريب الأطوار ، من خلفاء الدولة الفاطمية بمصر ، توفي سنة ٤١١ ه / ١٠٢١ م ، ينظر : ابن خلكان ٥ / ٢٩٢ ؛ اليافعي ٣ / ٢٥ ـ ٢٦ ؛ المقريزي ، الخطط ٢ / ٢٩ ؛ المقريزي ، اتعاظ ٢٧٠ ؛ الجابي ٨٦٧.
(٢) في بيت المقدس أ ه : من بيت المقدس ب : ـ ج د.
(٣) تتعاطاه ب : يتعاطاه أ ج ه : ـ د.
(٤) أنها نزلت أ : أنها تنزل ب ج ه : ـ د.
(٥) بقولهم أ ج ه : يقولون ب : ـ د.
(٦) ٤١١ ه / ١٠٢١ م.
(٧) ولده أ ج ه : ـ ب د.
(٨) ينظر : ابن خلكان ٣ / ٤٠٧ ؛ ابن كثير ، البداية ١٢ / ٣٨ ؛ ابن العماد ٣ / ٢٣٢.
(٩) ٤٢٧ ه / ١٠٣٧ م.
(١٠) ينظر : اليافعي ٣ / ١٤٥ ؛ ابن خلكان ٥ / ٢٢٤ ـ ٢٢٨ ؛ ابن العماد ٣ / ٣٨٢ ؛ المقريزي ، الخطط ١ / ٣٥٥.