منقذ (١) نائبه على مصر يأمره بتجهيز الأمير حسام الدين لؤلؤ (٢) الحاجب خلف العدو.
فاستعد لذلك وسار في طلبهم حتى أدركهم ولم يبق بينهم وبين المدينة إلا مسافة يوم ، وكانوا نيفا وثلثمائة ، وقد انضم إليهم عدة من العربان المرتدة. ففرت العربان ، والتجأ الفرنج إلى رأس جبل صعب المرتقى. فصعد إليهم في نحو عشرة أنفس وضايقهم فيه فخارت قواهم بعد ما كانوا معدودين من الشجعان ، فقبض عليهم (٣) وقيدهم وحملهم إلى القاهرة وكان لدخولهم يوم مشهود ، وتولى قتلهم الصوفية والفقهاء (٤) وأرباب الديانة بعدما ساق رجلين من أعيان الفرنج إلى منى ونحرهما هناك كما تنحر البدن التي تساق هديا إلى الكعبة (٥).
ثم في سنة ٥٧٩ ه (٦) ملك حمص وآمد (٧) وعينتاب (٨) وغيرها ، ثم سار إلى حلب وحاصرها وأخذ من صاحبها عماد الدين زنكي بن مودود بن عماد الدين وعوضه عنها سنجار وما معها وتسلم حلب في صفر من هذه السنة (٩) ، ومن الاتفاقات العجيبة أن محي الدين بن الزكي (١٠) قاضي دمشق مدح السلطان بقصيدة منها :
وفتحكم حلبا بالسيف في صفر |
|
مبشر بفتوح القدس في رجب |
فوافق فتح القدس في رجب سنة ٥٨٣ ه (١١) ، على ما سنذكره ، إن شاء الله تعالى.
__________________
(١) ينظر : ابن خلكان ٤ / ١٤٤ ـ ١٤٦.
(٢) ينظر : أبو شامة ، الروضتين ٢ / ٣٥ ؛ ابن أيوب ٢٦٥ ؛ اليافعي ٣ / ٤٩٥.
(٣) فقبض عليهم أ : وقبض عليهم ب ج ه : ـ د.
(٤) والفقهاء أ ج ه : والفقاء ب : ـ د.
(٥) ينظر : ابن الأثير ، الكامل ٩ / ١٦٠ ؛ أبو شامة ، الروضتين ٢ / ٣٥.
(٦) ٥٧٩ ه / ١١٨٣ م.
(٧) آمد : لفظة رومية وهي بلد قديم حصين ، ودجلة محيطة بأكثره تسمى اليوم دياربكر. ينظر : أبو الفداء ، تقويم ٥٣ ؛ البغدادي ، مراصد ١ / ٦ ؛ الحميري ٣ ؛ القرماني ٣ / ٢٠٠.
(٨) عينتاب : قلعة حصينة قرب حلب ، ينظر : أبو الفداء ، تقويم ٢٦٨ ؛ القزويني ٢٢٣ ؛ البغدادي ، مراصد ٢ / ٧٧ : القرماني ٣ / ٤٢٣.
(٩) ينظر : المقريزي ، السلوك ١ / ١٩٣.
(١٠) أبو المعالي محمد بن أبي الحسن علي بن محمد بن يحيى المقلب محي الدين المعروف بابن زكي الدين ، فقيه شافعي ولي قضاء دمشق ثم ولي قضاء حلب ، وهو أول خطيب للمسجد الأقصى بعد تحريره على يد صلاح الدين ، توفي سنة ٥٩٨ ه / ١٢٠١ م ، ينظر : ابن خلكان ٤ / ٢٢٩ ـ ٢٣١ ؛ الذهبي ، العبر ٤ / ٢٠٥ ؛ السبكي ٤ / ٨٩ ؛ اليافعي ٣ / ٤٩٥ ؛ ابن العماد ٤ / ٣٣٧.
(١١) ٥٨٣ ه / ١١٨٧ م.