ميثاقا يبنون عليه أشد عقد وأوثقه ، ويعدونه سورا تحفر حوافر الخيل خندقه ، وفي هذا اليوم أسرت سراتهم ، ودهيت دهاتهم ، / / ولم يفلت منهم معروف إلا القومص ، وكان لعنه الله مليا يوم الظفر بالقتال ، ومليا يوم الخذلان بالاحتيال ، فنجا ولكن كيف؟ وطار خوفا من أن يلحقه من الرمح أو جناح السيف ، ثم أخذه الله بعد أيام بعده ، وأهلكه (١) لموعده وكان من عدتهم كذلك وانتقل من ملك الموت إلى مالك ، وبعد الكسرة مر الخادم على البلاد ، فطواها بما نشر عليها من الراية العباسية السوداء صبغا ، البيضاء صنعا ، الخافقة هي وقلوب أعدائها الغالية هي وعزائم أوليائها المستضاء بأنوارها إذا فتح عينها النشر ، وأشارت بأنامل العذبات إلى وجه النصر ، فافتتح بلاد كذا (٢) وكذا ، وهذه أمصار ومدن ، وقد تسمى البلاد بلادا وهي مزارع وفدن ، وكل هذه ذوات معاقل ومعاقر ، بحار وجزائر ، وجوامع ومنابر ، وجموع وعساكر يتجاوزها الخادم بعد أن يحرزها (٣) ، ويتركها وراءه بعد أن ينتهزها ، ويحصد منها كفرا ويزرع إيمانا ، ويحط من منابر جوامعها صلبانا (٤) ويرفع آذانا ويبدل المذابح منابر ، والكنائس مساجد ، ويبوىء أهل القرآن بعد أهل الصلبان للقتال عن دين الله مقاعد ، ويقر عينه وعيون أهل الإسلام أن يلق النصر منه ومن عسكره بجار ومجرور ، وأن يظفر بكل سور ما كان يخاف زلزاله ولا زيالة إلا يوم ينفخ (٥) في الصور ، ولما لم يبق إلا القدس ، وقد اجتمع إليها كل شريد وطريد ، واعتصم بمنعتها (٦) كل قريب منهم وبعيد وظنوا أنهم من الله مانعتهم وأن كنيستها إلى الله شافعتهم ، فلما نزلها الخادم رأى بلدا كبلاد ، وجمعا كيوم التناد ، وعزائم قد تألبت وتألفت على الموت ، فنزلت بعرصته ، وهان عليها مورد السيف وأن تموت بغصته فداور البلد من جانب فإذا أودية عميقة ، ولجج وعر غريقة ، وسور قد انعطفت عطف السوار وأبرجة قد نزلت مكان الواسطة من عقد الدار ، فعدل إلى جهة أخرى ، كان للطالع عليها معرج وللخيل فيها متولج ، فنزل عليها وأحاط بها ، وقرب منها ، وضرب خيمته بحيث يناله السلاح بأطرافه ، وزاحمه السور أكتافه وقابلها ثم قاتلها ، ونزلها ثم نازلها ، برز إليها ثم بارزها ، وحاصرها (٧) ثم ناجزها ، وضمها
__________________
(١) وأهلكه ب ج ه : وأهلك أ : ـ د.
(٢) بلاد كذا ب ج ه : بلد كذا أ : ـ د.
(٣) يحرزها أ ب ج : ـ د ه.
(٤) صلبانا ب ج ه : ـ د ه.
(٥) إلا يوم ينفخ أ : إلى يوم النفخ ب ج ه : ـ د.
(٦) بمنعتها أ ج ه ابن خلكان : بمنعته ب : ـ د.
(٧) وحاصرها ب د : وحاجزها أ ج ه.