فلا يتركونها بسهولة الى القرآن ، بلى المؤمنون وحدهم يتجاوزون هذه الحالة ، ويرتفعون الى مستوى الايمان.
(وَإِذا أَنْعَمْنا عَلَى الْإِنْسانِ أَعْرَضَ وَنَأى بِجانِبِهِ)
قالوا : بان معنى الآية انه يعرض عن ذكر ربه عند النعمة ، ويبطر بها ويتولى ، فالآية حسب قولهم نظير قوله تعالى : (إِنَّ الْإِنْسانَ خُلِقَ هَلُوعاً إِذا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً وَإِذا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً).
ولعل الأقرب الى السياق أن نقول : ان هذه الآية تبين صفة اخرى للإنسان وهي الاستهانة بالنعم ، وعدم الاستفادة منها ، وعدم تقديرها حق قدرها ، والاعراض هنا عن النعم ذاتها وليس عن الله ، بلى ان الاعراض عن الله وعن نعمه ينبع من صفة واحدة ، ذلك لان من يعرض عن ربه ولا يشكر نعمه ، ويزعم انما اوتي النعم بعلمه وجهوده ، بل يرى ان النعم جزء من ذاته ، وان له طبيعة مميزة عن غيره بدليل انه خص دون غيره بالنعم فعنصره أفضل من سائر الناس.
أقول ان مثل هذا الفرد يستهين أيضا بالنعم ويعرض عنها ، وبالتالي فان هاتين الصفتين تنتهيان الى طبيعة واحدة.
ولان الإنسان يعرض عن النعمة ، ويتعالى عليها ، ويتولى بركنه ، وينأى بجانبه ، فانه لا ينتفع بالقرآن الحكيم ، ولا يكون القرآن بالنسبة اليه شفاء ، وهذا أكبر ظلم ذاتيّ ان يترك المرء الاستفادة من أكبر النعم استهانة بها.
بلى يبذل المؤمن جهدا كبيرا حتى يستفيد من نعمة الوحي ، لأنه يتواضع له ، ويسمع ويطيع ويقنت لله بخضوعه لكتابه ، فيكون الكتاب شفاء له ، وهكذا سائر النعم في الحياة.