ومن جهة أخرى فإن العلم بالآخرة يبدو كحجر الزاوية في العلم ، لأن فهم الدنيا وما فيها من مسئوليات وقيم وحقائق لا يمكن دون الاعتراف بالآخرة ، وإلّا فكل شيء في الدنيا يبدو لغزا وسرا كبيرا.
ومن هنا كان إنكار الآخرة بمثابة جهل مطبق بالحياة الدنيا ، هذه التي قد تنتهي في أية لحظة ومن حكمة معروفة.
ومن جهة ثالثة : العلم بالآخرة ، يجعلنا نؤمن بان هناك حقا ثابتا في هذا العالم ، واننا سوف نعرفه ونحاسب على أساسه في يوم ما لذلك لا بد أن نبحث عنه وأن نجعله هو المحور لتفكرنا وعملنا.
وفقدان محورية الحق يشبه سقوط قاعدة البناء ، كلّ شيء فيه ينهدم ، فإذا لم يكن هناك حق وباطل واقعيان ، وإذا لم يكن هناك حسن وقبح عقليان ـ حسب تعبير الفلاسفة ـ فلما ذا ترانا نبحث في العلم؟ وما هو المقياس في الصراعات؟ هل المقياس هو الأنا ، أم الأقوى ، أم ماذا؟
ويبدو ان الآيتين توضحان هذه الحقيقة :
(وَأَقْسَمُوا بِاللهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لا يَبْعَثُ اللهُ مَنْ يَمُوتُ)
القسم فيما لا يعلم الفرد دليل على تأكيده على جهله وفراره من العلم بالحق ، وإلّا فلما ذا التأكيد على القسم على ان الله لا يبعث الموتى؟
(بَلى وَعْداً عَلَيْهِ حَقًّا وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ)
إن وعد الله حق ، وقد وعد أن يبعث من يموت ، وأكثر الناس لا يعلمون ذلك.
يقول العلامة الطباطبائي : (أيّ لا يعلمون انه من الوعد الّذي لا يخلف ،