وهكذا دبّر الله شؤون مملكته العظيمة ، أحيا الأرض بالغيث ورزق الإنسان منها ، ونظم شؤونه بثبات نظام الأرض والشمس والقمر ، وأعطى للإنسان فرصة التكامل عبر النظام الذي هو ركيزة أساسية من ركائز الحضارة.
[٤١] ويذكّرنا السياق بالركيزة الثانية ، وهي وسائل النقل ، فلو لا قدرة البشر على الانتقال بنفسه وببضاعته لما استطاع أن يبني حضارة ، وأعظم وسائل النقل هي السفن ، فمن أقدم العصور وحتى اليوم كان متن الماء صهوة السفن المختلفة التي حملت الإنسان والمواد أكثر من جميع الوسائل الأخرى ، ولا تزال السفن أفضل الوسائل وأرخصها وأكثرها شيوعا ، ولذلك لا بد أن تكون للدولة المستقلة منافذ على البحر ، والدول المهددة التي لا تملك مثل ذلك تعاني الكثير من الصعاب.
(وَآيَةٌ لَهُمْ أَنَّا حَمَلْنا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ)
إنّ الله ـ وليس الإنسان ـ سخّر الفلك لحمل البشر عبر المحيطات. ولعل كلمة «ذريتهم» تعني أمثالهم ونظائرهم ، ذلك لأنّه ليس كلّ الناس يركبون السفن ، وقال البعض : إنّ معناها أطفالهم ، لأنّ الطفل رمز الحنان ، وحمله في السفينة يعكس منتهى رحمة الله بالإنسان ، على أنّه كان من الصعب على الأطفال ركوب الأنعام.
وأكّد السياق على أنّ السفينة مملوءة بالبضائع ، لأنّ الفلك المشحون أقرب الى الغرق لثقله ، وأظهر دلالة على نعمة الله حيث حمل الإنسان وحاجاته مرة واحدة.
[٤٢] وخلق الله للإنسان ما يشبه السفينة من الدواب التي تحمله من بلد لبلد.
(وَخَلَقْنا لَهُمْ مِنْ مِثْلِهِ ما يَرْكَبُونَ)