سادة والبعض عبيدا ، فلا ينبغي السعي لردم الفجوة بين الطبقات ، أو لتحقيق المساواة بين الناس. هكذا يبرّرون استئثارهم بالخيرات في كل عصر ، فالمستكبرون يزعمون أنّ تخلّف البلاد المستضعفة شأن مفروض عليهم من الله ، أمّا تقدّمهم الاقتصادي فإنّه من أنفسهم ، والطبقات المترفة تزعم أنّ غناهم آت من سعيهم ، أمّا فقر الآخرين فهو من ربهم.
(وَإِذا قِيلَ لَهُمْ أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللهُ)
وسواء كان القائل هو الله ، أو المؤمنون الناطقون عن ربّهم ، فإنّ إجابتهم واحدة وهي الرفض ، ولكن ألا يعلمون أنّ ما بأيديهم من الغنى هو ـ في الواقع ـ رزق الله ، ولو شاء الله لمنعهم منه؟ أو لا ينظرون الى أنّ توزيع المعادن على أقطار الأرض تمّ بأمر الله ، وأنّ خصوبة الأرض كانت بأمر الله ، وحتى توفر المناخ المناسب لنموّ الصناعة كان بإذن الله؟ ولو تدبّر كلّ غنيّ في الأسباب الخفيّة لنموّ ثروته لرأى يد الغيب وراءها ، فأولى بهم الإنفاق ممّا رزقهم الله ، ما دام الله يأمر به ، وهو الذي استخلفهم فيما رزقهم ليبتليهم به. ألّا يرون أنّ كلّ شيء في عالم الإنسان يوحي بأنّه جاء لهذه الدنيا لكي يمتحن؟ فقد جعل الله امتحان الفقير بالغني ليرى هل يصبر ، وامتحان الغني بالفقير ليعلم من ينفق ومن يبخل ، وافتتن العالم بالجاهل وأمره بأن يعلّمه كما ابتلى الجاهل بالعالم وأمره بأن يتعلّم منه ، وجعل الحكّام فتنة للناس وافتتن الناس بحكامهم وقال عزّ من قائل : «وَجَعَلْنا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكانَ رَبُّكَ بَصِيراً» (٢).
ولكنّ الكفّار زعموا أنّ غناهم وعدم الفقراء أمر حتمي من عند الله.
(قالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا)
__________________
(٢) الفرقان / (٢٠).