وهكذا خاطب الكفّار الذين آمنوا لأنّهم الذين أمروهم بالإنفاق ، ولأنّهم المؤمنون بالله ، فكان الأحرى بهم ـ حسب زعمهم ـ أن يؤمنوا بالقدر ، فقالوا :
(أَنُطْعِمُ مَنْ لَوْ يَشاءُ اللهُ أَطْعَمَهُ)
ولم يقولوا أننفق ، لأنّهم منعوا عن الفقراء حتى الطعام الذي هو حق كل حي ، فكيف بالإنسان الكريم عند ربه.
أنظر الى مدى إمعانهم في البخل ، والإعراض عن التقوى؟ بلى. الله يطعم من يشاء من رزقه الواسع ، ولكنّه جعل رزق هؤلاء الفقراء على أيديكم ، لينظر كيف تعملون ، وهو القائل – حسب حديث قدسي ـ :
«المال مالي ، والفقراء عيالي ، والأغنياء وكلائي ، وخيرهم خيرهم لعيالي»
ثم أنّ ربنا سبحانه أكرم بني آدم فجعلهم أحرارا في الدنيا ، ووفّر في الأرض ما يزيد على رزقهم ، إلّا أنّ كسل البعض عن السعي بأفكار جاهلية ، واستئثار البعض برزق الآخرين تحت مظلة من القوانين الجائرة ، هما السببان الرئيسيان لانتشار الفقر ، ومن أساليب محاربة الفقر نبذ الثقافة الجاهلية ، وإصلاح الأنظمة الجائرة ، والإنفاق واحد من أهمّ السبل لمحاربة الفقر لأنّه علاج فوري ، ووسيلة مستقبلية أيضا لتوزيع الثروة وتدويرها وتحريك الطاقات بها.
ولكن الكفّار جمّدوا الثروة ، وزعموا أنّها حقّهم الإلهي بل قالوا لمن أمرهم بالإنفاق :
(إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلالٍ مُبِينٍ)
لأنّكم تريدون تغيير سنن الله ، وجعل الفقراء أغنياء ، وهم قد خلقوا فقراء.