وترك السياق لقارئ القرآن الحكم على هذه العقلية ، ولا ريب أنّه يحكم عليها بالضلال المبين ، ولذلك احتار المفسرون في معرفة قائل هذه الكلمة ، فمنهم من قال : إنّهم الكفّار ، ومنهم من قال : بل هم المؤمنون قالوها للكفار ، وقال بعضهم : بل الله قالها للكفّار.
والظاهر أنّها كلمة الكفّار للمؤمنين ، ولكنّها تردّ عليهم بطبعها ، فبمجرد أن يقول المجنون للذي يأمره بالحكمة : إنّك مجنون ، نعرف أنّ المتكلم بنفسه مجنون. أليس كذلك؟ هكذا نعرف ضلالة الكفار بمجرد أنّهم يقولون لمن يأمرهم بالإنفاق : إنّك في ضلال مبين ، كلّا ... إنّهم هم في ضلال مبين!
[٤٨] من التبريرات النفسية التي يتشبّث بها الكفّار هو استبعاد الجزاء زمانيا ، ونجد في آيات الذكر ردّ هذه الشبهة بكلمات بليغة نافذة ، فالجزاء ليس لعبا حتى يستخفّ به ، إنّه الساعة التي ثقلت فيّ السموات والأرض ، فما ذا ينتظرون؟ وبهم يستهزءون؟
(وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ)
وبالرغم من أنّ كلمة «متى» أصلا للاستفهام ، إلّا أنّها هنا جاءت للاستنكار بدليل قولهم :
(إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ)
فهم كانوا يتوقّعون جزاء عاجلا بعد أن أنذروا بالعذاب ، وأمروا باتقاء ما بين أيديهم من عذاب الدنيا ، وما خلفهم من عذاب الآخرة.
[٤٩] إنّ النفس البشرية لا ترى بطبعها إلّا ما أمامها من الحقائق المشهودة ،