ولا تتأثّر بالمستقبل البعيد حتى ولو كان من الحقائق المعلومة يقينا ، وبضغط من الشهوات العاجلة ، وبوساوس إبليس تعرض النفس عن الغيب للشهود ، وعن المستقبل للحاضر ، ولا بد من تصوير الغيب ، وإبراز مشاهد من المستقبل حتى تهتّم النفس بها ، ولعل منهج القرآن في تصوير مشاهد البعث والجزاء باستثارة قوة الظن والخيال يتم لهذه الغاية ، فهو ليس مجرد أسلوب في البيان ، بل هو منهج علمي لإصلاح النفس ، وإيجاد التوازن بين قوة الشهود وحقائق الغيب ، وإنّما المؤمنون الذين يستشرفون المستقبل ، وينظرون الى الغيب بقوة الظن ، ويستثيرون كوامن الخوف والرجاء بالتذكرة الذاتية.
والسياق هنا يصوّر جانبا من مشاهد الهلاك ثم النشور والجنة والنار.
(ما يَنْظُرُونَ إِلَّا صَيْحَةً واحِدَةً تَأْخُذُهُمْ وَهُمْ يَخِصِّمُونَ)
إنّهم يستعجلون العذاب ، ويقولون : متى هذا الوعد؟ بلى. ولكنّهم ينتظرون بذلك أمرا عظيما ، إذا جاء لا يمكن ردّه أو تأجيله ، فإنّما هو صيحة واحدة لا ثانية لها ، لأنّها القاضية ، وهي تعمّهم بالأخذ بغتة في وقت تراهم يخوضون في جدليّاتهم التي لا تغني شيئا.
والإنسان يتمنّى ـ عادة ـ لو يغيّر الحقائق بالجدل ، زاعما أنّه لو نفى شيئا فإنّه ينتفي أو أنّه لو أسكت صاحب الحق فإنّ الحق يزول ، كلّا ... فحتى في حالة جدالهم وخصامهم تأخذهم الصيحة.
[٥٠] والمباغتة سريعة الى درجة أنّها تمنعهم من أن يخلّفوا وصيّتهم ، بالرغم من أنّهم لا يعودون الى أهلهم فهم أحوج ما يكونون الى التوصية.
(فَلا يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَةً)