وتتجسّد عبادة الشيطان في طاعة أوليائه من سلاطين الجور ، وطغاة السلطة والثروة.
ويقول الفخر الرازي في قوله : «لا تَعْبُدُوا الشَّيْطانَ» معناه : لا تطيعوه ، بدليل أنّ المنهي عنه ليس هو السجود له فحسب ، بل الانقياد لأمره والطاعة له ، فالطاعة عبادة ، لا يقال : فنكون نحن مأمورين بعبادة الأمراء حيث أمرنا بطاعتهم في قوله تعالى : «أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ» لأنّا نقول : طاعتهم إذا كانت بأمر الله لا تكون إلّا عبادة لله وطاعة له ، وأضاف : وإنّما عبادة الأمراء هو طاعتهم فيما لم يأذن الله فيه. (١)
[٦١] رفض عبادة الشيطان تهيأ لعبادة الله ، بل مجرد الكفر بالأنداد عبادة الله ، كما أنّ من ضيّع عبادة الرحمن وقع في شرك الشيطان ، لذلك قارنت الآيات بين رفض هذه والالتزام بتلك ، كقوله سبحانه : «فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقى» (٢)
وهنا يقول ربّنا :
(وَأَنِ اعْبُدُونِي هذا صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ)
واستقامة الصراط نابعة من أن الله الذي رسمه لنا تعالى عن الميول التي تضلّل البشر يمنة ويسارا ، وعن الجهل الذي يتطرّف صاحبه ناحية الإفراط أو التفريط.
ومن أبرز مظاهر الاستقامة في الصراط أنّ المؤمنين يؤيّدون على السير فيه ، متحدّين ضغوط الهوى والشهوة والسلطة والثروة والتزييف والتلبيس بإذن ربهم.
__________________
(١) التفسير الكبير للفخر الرازي / ج (٢٦) / ص (٩٦).
(٢) البقرة / (٢٥٦). المصدر.