ولعل الفرق بين القويم والمستقيم يكن في أنّ المستقيم يوحي بأنّ صاحبه يستقيم عليه متحدّيا عوامل الانحراف.
وعبادة الله تعني طاعته ، وطاعته لا تتجزأ ، فمن صلّى دون أن يؤتي الزكاة ، أو خضع للإسلام في شؤونه الشخصية دون نظامه الاقتصادي والسياسي ، فإنّه لا يعبد الله ، بل إنّه يعبد الشيطان.
إنّ جذر الشرك بالله هو الاستسلام أمام الضغط أنّى كان مصدره ، وهذا يخص فقط موارد الضغط ، وإنّما المؤمن الذي يتحدّى الضغط ، أمّا من جعل القرآن عضين فقال : نؤمن ببعض ونكفر ببعض ، وأراد أن يؤمن فقط بما يتفق ومصالحه ، وأمّا عند ما تضرب مصالحه يذهب معها فإنّه بالذات الذي يحاربه القرآن.
فالقرآن لا يواجه إلّا قليلا أولئك الذين يكفرون بالدين رأسا ، وإنّما يحادد في الأكثر أولئك الذين يشركون بالله ، فيخضعون لشهواتهم وسلاطينهم والمترفين ، ويخدعون أنفسهم بعبادة الله فيما لا تتنافى ومصالحهم وشهواتهم وكبرائهم.
[٦٢] عند ما يتعظ المرء بتجارب غيره يهتدي الى الطريق ، وإنّما ينتفع بها من يعقلها ويجعلها وسيلة لإثارة دفائن عقله ، وكوامن فطرته.
وإنّ من أظهر الحقائق التي يعقلها من شاء الهدى هي : أنّ بعض الناس في ضلال ، فأنّى ذهبت ، وأيّ شخص سألت ، قال لك : إنّ بعض الناس على خطأ ، ولكن لا تقودهم هذه الحقيقة الى معرفة حقيقتين أخريين هما : أولا : إنّه كما أضلّ الشيطان كثيرا من الناس كذلك يضلنا فلنحذر منه ، وثانيا : ماذا كانت عاقبة الضالين. أو ليس الهلاك؟! فلما ذا لا نعتبر بذلك؟!
(وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلًّا كَثِيراً)