ذلك أنّ الشعر يتميّز بالخصائص التالية :
أوّلا : يعكس ثقافة المجتمع السائدة ويسير بها دون أن ينتقدها أو يثور عليها.
ثانيا : يكرّس الواقع الفاسد بتبريره وتلميع رموزه وستر اخطائه.
ثالثا : يخدّر الإنسان ويرضيه بوضعه بإثارة مشاعره الجاهلية من الفخر والعصبية والاعتزاز بالإثم.
وبكلمة إذا كان للإنسان بعدان : بعد جاهلي يعكس شهواته وأمنيّاته ونوازع الشر عنده ، وبعد رسالي يعكس عقله وعواطف الخير فيه ، فإنّ الشعر إفرار للبعد الجاهلي وتكريس له ، سواء عبّر عنه بقصائد موزونة ومنسقة أو بتعابير نثرية وعادية ، ولكن بما أنّ الباطل مرفوض عند البشر بذاته فإنّ أصحاب الثقافة الجاهلية يزينونها للناس تارة بأنغام الشعر ، وأخرى بأنواع البديع والبلاغة.
بينما الحق ليس بحاجة الى كل ذلك ، وإن كان الأدب الرفيع والحلة القشيبة ، والبلاغة النافذة يزيدها جمالا وبهاء ، إلّا أنّ قدرته ليست في حلته إنّما في محتواه ، بينما قدرة الثقافة الجاهلية في التعبير عنها ، ولذلك سمّي شعرا ، إشارة إلى أنّه لو لا وزنه وقافيته والتشبيهات الخيالية فيه لا يعتني به أحد ، حتى قالوا : الشعر أعذبه أكذبه.
وهكذا جاء في الحديث في تفسير قوله تعالى في سورة الشعراء : «وَالشُّعَراءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغاوُونَ» قال :
«نزلت في الذين غيّروا دين الله ، وخالفوا أمر الله عزّ وجل. هل شاعرا قط يتبعه أحد؟ إنّما عنى بذلك الذين وضعوا دينهم بآرائهم فيتبعهم الناس على