[٣٣] وردّا على تبريرات هؤلاء وأولئك يؤكّد القرآن بأنّ الظلم المشترك بين المستكبرين بجورهم ، والمجتمع بسكوته وسلبيته ، سوف يؤدّي الى المصير الواحد ، والجزاء الجامع ، وهذا بالضبط معنى المسؤولية.
(فَإِنَّهُمْ يَوْمَئِذٍ فِي الْعَذابِ مُشْتَرِكُونَ)
ولعلّ الآية الكريمة تشير الى فكرة هامة ، من شأنها ـ لو فهمها الإنسان ، وتعمّق فيها ، وعمل بها ـ أن تزكّي نفسه وتربيّها على الإيمان ، وهي أن يحمّل كلّ فرد نفسه المسؤولية ويتّهمها باستمرار ، أنّى كان دور الآخرين ، وهذه من صفات المتقين الذين وصفهم إمامهم علي (ع) بقوله :
«ولقد خالطهم أمر عظيم! لا يرضون من أعمالهم القليل ، ولا يستكثرون الكثير ، فهم لأنفسهم متّهمون ، ومن أعمالهم مشفقون ، إذا زكّي أحد منهم خاف مما يقال له ، فيقول : أنا أعلم بنفسي من غيري ، وربي أعلم بي مني بنفسي! اللهم لا تؤاخذني بما يقولون ، واجعلني أفضل مما يظنّون ، واغفر لي ما لا يعلمون» (٥)
ونعرف دور هذه النظرة من المؤمن تجاه نفسه إذا عرفنا طبيعة النفس البشرية التي تعيش التبرير والأعذار وتسعى للفرار من ثقل المسؤولية ، وبكلمة : لا بد أن نعرف بأنّ ذهاب الظالمين الى النار ، وتحمّلهم العذاب الأليم ، لا يعني براءتنا ، بل قد يكون دليلا على العاقبة الواحدة لهم ولنا ، إن كنّا ساكتين عنهم ، راضين عن فعالهم.
[٣٤] وحتى لا يتصوّر الإنسان بأنّ هذا الحديث ينصرف الى جماعة كانت في
__________________
(٥) نهج البلاغة / خ (١٩٣) / ص (٣٠٤).