الذاكرين ، ومعنى ذلك اننا لو قسمنا الناس الى ثلاثة : الكفار ، والمخلصين ، وآخرين بينهم ، فان المخلصين وحدهم الناجون ، اما الكفار فيخلدون في النار ، والذين خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا يعذّبون كل حسب عمله.
[٧٥] وكمثال على نجاة المخلصين يذكّرنا الله بنبيّه نوح (ع) ، والذين آمنوا معه ، فقد دعا نوح ربّه على قومه فأرسل عليهم الطوفان ، فما نجى منه غير نوح ومن آمن معه وركب السفينة ، ممن أدخلهم القرآن مع أهله في مقابل إخراجه كنعان منهم ، ليهدينا الى أنّ النسب الحقيقي بين الإنسان والآخرين هو تجانس القيم والعمل في الحياة بينه وبينهم ، اما الاعتبارات الاخرى فهي غير سليمة. قال ابو عبد الله (ع) : ان الله قال لنوح : «إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ» لأنه كان مخالفا له وجعل من اتبعه من أهله (١) ويبدأ القرآن بذكر نوح (ع) لأنه كما يسميه المؤرخون الأب الثاني للبشرية بعد آدم (ع).
(وَلَقَدْ نادانا نُوحٌ فَلَنِعْمَ الْمُجِيبُونَ)
ولكن ماذا أراد نوح (ع) من ربه عز وجل حين ناداه؟
قال بعض المفسرين إنّه أراد هلاك قومه حينما عصوه ، واستدلوا بقوله تعالى عن لسانه (ع) : «رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكافِرِينَ دَيَّاراً» (٢). وقال آخرون إنّه أراد من الله ان ينقذه من الكفار بعد سنين من الدعوة والأذى الذي يلحقه بسببها. وربما تفسر الآية بانّه عليه السلام أراد من ربه الهداية وتشريفه بالرسالة لانقاذ الناس ، فربما كان الأنبياء (ع) يعرفون بأنهم سوف يبعثون ، ولكن لا يتنافى ذلك مع
__________________
(١) بح / ج (١١) ص (٣٠٥).
(٢) نوح / (٢٦).