ظلمات ثلاث ، في قصة خلاصتها إنّه وصل الى البحر هاربا من قومه ، وركب سفينة مليئة بالمسافرين ، وفي عرض البحر حيث طغى ماؤه وهاج موجه ، وتخوّف الجميع من غرقها ، فقال ربان السفينة : ان عبدا آبقا موجودا في سفينتنا ، وكانت عادتهم الاقتراع في مثل هذه الظروف ومن يظهر اسمه في القرعة هو الذي يلقى في البحر ليخف وزن السفينة ، وكانت القرعة ولثلاث مرات تتجه الى يونس بن متى فرموه في عرض البحر ، فتلقفه الحوت الذي ابتلعه وبقي في بطنه.
ولم ينقذ يونس (ع) من هذا المأزق الا بتضرعه لله واعترافه بخطئه «سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ» (١) ، إذ أمر الله الحوت ان يقذفه على الساحل وخرج من بطنه وقد اهترأ جلده ، فأنبت الله له شجرة اليقطين ذات الأوراق الكبيرة ، فشوفي وخرج ليمارس مسئولية التبليغ من جديد.
وتهدينا هذه القصة كما القصص الماضية ، الى الحقيقة التي سبق وان ذكّر بها السياق القرآني ، وهي ان العباد المخلصين بشر وليسوا أولادا لله سبحانه ، ولا آلهة ، وذلك خلافا لما يصفهم به المشركون ، كما إنّهم لم يوصفوا بتلك الصفات المثلى الا بما سعوا وأحسنوا ، وقد اعترضتهم ـ كما يحصل ذلك لاي إنّسان آخر ـ الصعاب والمشاكل ، ولو كانوا كما يصفهم المشركون لتجاوزوها ، والحال إنّهم لولا رحمة الله لكانوا من الهالكين.
بلى ان ربّنا سبحانه ترك عليهم سلاما دائما على كل لسان لما امتلكوا من صفات جعلتهم أئمة وقادة.
ولعل هذا التأكيد على السلام عليهم لكي يتخذوا قادة ، ولكي يعرف الناس حدود إكرامهم للأنبياء فلا يغلوا فيهم حتى مقام الربوبية ، ولا ينزلونهم الى مستوى
__________________
(١) الأنبياء / (٨٧).