وأمناء على الرسالة.
الثاني : الفتنة التي تعرض لها داود ، هو مبادرته لاصدار الحكم من دون سؤال صاحب النعجة الواحدة عن البينة ، ولا الاستماع الى رأي المدعى عليه ، إذ لا يجوز للقاضي ـ من الناحية الشرعية والمنطقية ـ أن يصدر حكما في قضية ما قبل التحقيق فيها ، والنظر في سائر الحيثيات التي تتصل بها.
يقول الامام الرضا (ع) بعد أن ضرب يده على جبهته ، وهو يرد على الرأي الأول ويبين الرأي الثاني : «إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ» لقد نسبتم نبيا من أنبياء الله عليهم السلام الى التهاون بصلوته ، حتى خرج في أثر الطير ، ثم بالفاحشة ثم بالقتل؟ فقال : يا ابن رسول الله فما كانت خطيئته؟ فقال : ويحك ان داود عليه السلام انما ظن انه ما خلق الله خلقا هو أعلم منه ، فبعث الله عز وجل اليه الملكين فسورا المحراب فقال : «خَصْمانِ بَغى بَعْضُنا عَلى بَعْضٍ فَاحْكُمْ بَيْنَنا بِالْحَقِّ وَلا تُشْطِطْ وَاهْدِنا إِلى سَواءِ الصِّراطِ إِنَّ هذا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ واحِدَةٌ فَقالَ أَكْفِلْنِيها وَعَزَّنِي فِي الْخِطابِ» فعجل داود عليه السلام على المدعي عليه ، فقال : «لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤالِ نَعْجَتِكَ إِلى نِعاجِهِ» ولم يسئل المدعي البينة على ذلك ولم يقبل على المدعى عليه ، فيقول له : ما تقول؟ فكان هذا خطيئة رسم الحكم لا ما ذهبتم اليه ألا تسمع الله عز وجل يقول : (يا داوُدُ إِنَّا جَعَلْناكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِ) إلى آخر الآية فقال (أي الراوي) : يا ابن رسول الله فما قصته مع أوريا؟ قال الرضا (ع) : إنّ المرءة في أيّام داود (ع) كانت إذا مات بعلها أو قتل لا تتزوّج بعده أبدا ، فأوّل من أباح الله عزّ وجلّ له أن يتزوّج بامرأة قتل بعلها داود (ع) ، فتزوّج بامرأة أوريا لمّا قتل وانقضت عدتها فذلك الذي شقّ على الناس من قبل أوريا (١)
__________________
(١) المصدر ص ٤٤٦.