والقرآن انما يضرب لنا مثال الاعتراف بالخطإ والتوبة منه ، من واقع النبي داود العالم الذي بلغ وولده سليمان ذروة السلطة ، لان التوبة تصعب على الإنسان حينما يكون في موقع متقدم من المجتمع ، كما لو كان والدا بالنسبة لاسرته ، أو كان عالما أمام تابعيه ، وتصل الصعوبة ذروتها إذا كان حاكما وعالما في مستوى داود ولعل هذا من حكم تعرض الأنبياء للفتنة. وان الله يكلهم إلى أنفسهم ، ويرفع عنهم عصمته لحظات معدودة فيرتكبون الهفوات ، ثم يتوبون إلى الله ليكونوا قدوات صالحة للبشرية في حقل التوبة ـ وهو أعظم حقل ـ كما هم قدوات في سائر الحقول. ولا بد لنا ونحن نخوض الصراع أن نتذكر هؤلاء العظماء كما أمرنا الله حتى لا يتكبر أحدنا على النقد والاستماع إلى آراء الناس في تصرفاته وبالتالي لكي لا يتعالى أحدنا على المجتمع باسم انه يمثل طليعته المتقدمة.
[٢٦] أهم شروط الحاكم الذي يتصرف في دماء الناس وأموالهم ، تمحوره حول الحقّ ، ولكن كيف يعرف صدق الحاكم الذي يدعي انه يحكم بالحقّ؟ إنما عند ما يخالف هواه ويتراجع عن قرار اتخذه إذا عرف انه كان خاطئا ، ويعترف أمام الناس بذلك ويتوب إلى الله ، ويصلح منهجه.
من هنا نجد السياق القرآني يذكرنا بان الرب استخلف عبده داود في الأرض بعد أن ابتلاه وعرف انه يخالف هواه ويتراجع عن الخطأ إذا عرفه.
(يا داوُدُ إِنَّا جَعَلْناكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ)
ان الأرض وما فيها من بشر وأحياء وتراب أمانة الله في عنقك ، وعنق كلّ حاكم ولا تصان هذه الامانة إلّا بتحكيم الحقّ ، أما لو تحكم الباطل فسوف تفسد الأرض ومن عليها من الأحياء والناس قال تعالى يصف الذي يتبع الباطل في حكمه : (وَإِذا تَوَلَّى سَعى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيها وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللهُ لا