طلب من الله شيئا آخر غيّر من خلاله أمنيته ، قال :
(وَهَبْ لِي مُلْكاً لا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ)
وفي هذه الآية الكريمة تتبين آداب الدّعاء عند الأنبياء عليهم السلام.
ففي البداية يجب أن يعرف العبد بأن ما سيطلبه من الله ليس حقا له على الله استوجبه بعمله أو عبادته ، انما هو هبة يعطيها له الربّ من عنده تفضلا إن شاء أو يمنعها ، وبالاضافة إلى تناسب هذا الأدب ومقام الربوبية ، فانّه يعطي المؤمن مناعة ضد ردود الفعل المحتملة لو لم يستجب له.
ثم إن الطلب يجب أن يكون عظيما وكبيرا ، وينبغي للإنسان ان يطلب من ربّه وهو القادر العزيز الكريم مطالب جسيمة ، فيخرج من نظرته البشرية المحدودة التي تفرض عليه آمالا محدودة ، ويدعو الله انطلاقا من معرفته بصفاته وأسمائه الحسنى. فهذا سليمان (ع) يدعو الله أن يهبه ملكا عظيما لا ينبغي لأحد من بعده.
ويستوحى من السياق ان سليمان (ع) طلب من الله بديلا عن الأولاد الذين حرم منهم ، بان يختصّه برحمة الهية خاصة لتمضي الأجيال تذكره ، به أو ليس الإنسان يستمر بعقبه وبما اختص به. فسأل الله من الملك ما لم يعط أحدا ولا ينبغي لأحد ، وفعلا خصه الله بتسخير الجن والريح والطير له ، كما تقرّر الآيات التالية ، وبالاسم الأعظم حسبما نقرأ في آيات أخرى (١)
ولكن ليس الملك لذات الملك وللذة الحياة الدنيا ، انما أراد من خلال الملك والسلطان أن يقيم حكومة الله في الأرض ، ليقضي على واقع الشرك السياسي
__________________
(١) نجد تأييدا لهذه الفكرة في الحديث رقم (٥٦) من تفسير نور الثقلين ج (٤) ص (٤٥٩ ـ ٤٦٠).