لقد كان أيوب ذا مال وأهل كثير وسمعة طيبة بين الناس ، وهو يسخر كل ذلك من أجل عمل الصالحات ، فاذا به يفقد ماله وأهله ، ويصاب في جسده بمرض استقذره الناس بسببه ، وأبعدوه عن قريتهم خوفا من العدوى ، فتركه كل من حوله ، ولم تبق معه الا زوجته الوفية رحمة بنت يوسف بن يعقوب عليهم السلام ، والتي ضربت مثلا في الصبر مع زوجها والوفاء له ، إذ كانت تعمل في البيوت وتخدم الناس لتأتي له بالطعام والشراب.
الا أنه عليه السلام بقي صابرا شاكرا لله على النعمة ، وما زاده الابتلاء الّا صبرا ، ورجاء للفضل في الدنيا والآخرة. وهكذا يكون المتقون كما وصفهم سيدهم علي (ع) فقال :
«نزّلت أنفسهم منهم في البلاء كالتي نزلت في الرخاء» (١)
ولعل السبب في ثبات شخصية المتقين واستقامتها أنهم يستمدون مقوماتها من الرسالة الالهية الثابتة لا من الظروف والعوامل المادية المتغيرة.
أما زوجة أيوب (ع) الوفية ـ والتي لم تكن بعصمة الأنبياء مع مكانتها وايمانها ـ فقد جاء لها إبليس متمثلا في هيئة البشر ، وقال لها إنني طبيب ماهر وأستطيع أن أداوي زوجك ولكن بشرط واحد ، هو أن يقول لي بعد شفائه أنني شافيته ، فقبلت حبا في زوجها النبي ، فجاءت مسرعة وأخبرت أيوب بالأمر فغضب عليها ، وحلف يمينا أن يضربها مائة جلدة.
وهكذا أتم أيوب امتحانه ودعا ربه فاستجاب له ، وخفف عن زوجته حين أمره بأن يأخذ ضغثا ويضربها به وأعاد عليه أهله وماله ومكانته وأبقى ذكره لنا
__________________
(١) نهج البلاغة / خطبة (١٩٣) / ص (٣٠٣).