ونستوحي من هذه الآية ان أنواع العذاب كثيرة جدا ، إلّا ان بعضها يتلازم مع بعض ، كما يتلازم الحميم مع الغساق ويكمّله.
[٥٩] وبعد أن يدخل الطغاة النار وينتهي كل واحد إلى موقعه الذي يضيق به ، يجدون آخرين من أشباههم واتباعهم الذين انخدعوا بهم يدخلون معهم إلى جهنم ويقال لهم.
(هذا فَوْجٌ مُقْتَحِمٌ مَعَكُمْ)
واحتمل ان يكون المراد من الآخر : الفوج الآخر ، وهم أزواج ومشابهون للفوج الأول ، ويكون ذلك تمهيدا للحديث التالي عنهم ، وهذا يتشابه وما ذكرناه في تفسير قوله تعالى : (احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْواجَهُمْ وَما كانُوا يَعْبُدُونَ) (١)
والاقتحام هو الدخول في الشيء بشدة كالمسمار الذي لا مكان له في الحائط فتدخله المطرقة قسرا ، ولأن الطغاة يتعذبون من ضيق المكان ، وأن النار تضيق عليهم كضيق الزج بالريح (٢) كما جاء في حديث الرسول (ص) فإنهم ينادون بهم ، لهذا وعلى خلاف ما يقوله صاحب البيت لضيفه فإنهم يقولون :
(لا مَرْحَباً بِهِمْ)
أي لا مكان يسعهم ، ولا نفس تقبل بحلولهم ، والرحب هو المكان الوسيع ، فكأنهم أرادوا القول : بأن المكان ضيق ويضيق أكثر بهم ، وعلّلوا لعنهم وسبهم لهم بأنهم أهل جهنم ، وهل يرحب بمن سيصلى نارا؟!
__________________
(١) الصافات / ٢٢
(٢) نور الثقلين / ج ٤ ص ٤٦٧ / والزج ـ كما يبدو هو القرية