وبما أن أصل خلق البشر طين فلا يجوز أن يتفاخر الناس على بعضهم ، كما لا ينبغي أن يفتخر أحد بنفسه وهل لمن أصله الطين فخر؟! والطين عندنا نحن البشر من أرذل العناصر وأقلها قيمة واعتبارا ، والناس جميعا خلقوا من طين فلا يجوز أن يتخذ بعضهم بعضا أربابا من دون الله كالسلاطين ، ولا أن يصبغ البعض صبغة الألوهية على بعض كما فعل النصارى بابن مريم (عليهما السلام).
[٧٢] ولم يطلع ربنا الملائكة على ما بدا له لمجرد اضافة معلومة جديدة إليهم بل ليأمرهم بالسجود له (ع).
(فَإِذا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي)
وقد اتصل الأمر بالسجود بحالة التسوية ونفخ الروح عند البشر ، وهي حسب الظاهر كمال الخلق مما يوحي بأن سجود الملائكة (الذي يدل ـ ضمنا ـ على تسخير الطبيعة الموكل بها ملائكة الله) (١) يتعلق بكمال الإنسان ، فكلما رقى البشر معارج العلم والإرادة والإيمان والتقوى كلما سخرت له الخليقة أكثر فأكثر. أرأيت كيف سخر الله لداود الجبال والطير ولسليمان الريح؟
ويوحي نفخ الروح من الله في الإنسان وقبل السجود له تخصص البشر بميزات لا توجد في سائر الأحياء ، ويبدو أن الروح هنا هي العقل الذي قال عنه ربنا سبحانه في آية أخرى : (يَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي) (٢)
(فَقَعُوا لَهُ ساجِدِينَ)
وهكذا أسس ربنا في حياة البشر مبدأ السجود لله عبر الخضوع والتسليم لخلفائه
__________________
(١) راجع تفسير سورة البقرة آية (٣٤).
(٢) الإسراء / (٨٥).