ثم قال : يا أعرابي أنّ القول في الله واحد على أربعة أقسام : فوجهان منها يجوزان على الله ووجهان يثبتان فيه ، فأمّا اللذان لا يجوزان عليه فقول القائل واحد ، يقصد به باب الأعداد فهذا ما لا يجوز ، لأنّ ما لا ثاني له لا يدخل في باب الأعداد الا ترى انه كفر من قال ثالث ثلاثة؟ ، وقول القائل هو واحد من الناس يريد به النوع من الجنس فهذا ما لا يجوز ، لأنّه تشبيه وجلّ ربنا عن ذلك.
وأمّا الوجهان اللذان يثبتان فيه فقول القائل هو واحد ليس له في الأشياء شبيه ، كذلك ربنا ، وقول القائل : إنّه عزّ وجلّ أحديّ المعنى ، يعني به أنّه لا ينقسم في وجود ولا عقل ولا وهم ، كذلك ربنا عزّ وجلّ» (١)
(الْقَهَّارُ)
ولأنّه قهّار فهو واحد ، إذ لا شيء يتحدّى إرادته ويقاوم مشيئته سبحانه.
وكما لا يخضع سبحانه لشيء لا يحتمّ عليه شخص أمرا ، فما المسيح بن مريم والعزيز إلّا عبدان مطيعان له يخضعان لأوامره ، ولا يحتمان عليه ، وانه سبحانه قد فرض عليهما عبادته إن لم يكن طوعا فكرها.
ومن هنا تتبلور فكرة الشفاعة الحق وهي إنّ عباد الله المكرمين يدعون الله ليغفر لبعض المذنبين فإن شاء غفر ، وإن شاء عذّب ، وقد قال الله في حق بعض المنافقين : (سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَهُمْ إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ) (٢) وقال تعالى : (اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَهُمْ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ
__________________
(١) نور الثقلين / ج (٤) ص (٤٧٥ ـ ٤٧٦).
(٢) المنافقون / (٦).