[١٤ ـ ١٥] (قُلِ اللهَ أَعْبُدُ مُخْلِصاً لَهُ دِينِي* فَاعْبُدُوا ما شِئْتُمْ مِنْ دُونِهِ)
أمّا أنا فاعبد الله مخلصا له ديني ، فاعبدوا ما شئتم.
هكذا يتحدى الرسول بأمر الله أولئك الجاهلين الذين اتخذوا أهواءهم آلهة فعبدوا ما شاؤوا ، وهذا هو خلاصة الإخلاص وصفوة التوحيد ، وحين يبلغ المرء هذا المستوى الأرفع من الإخلاص لا يخشى أحدا ولا يخضع لشيء فإنّه :
أوّلا : يضمن حريته التامة ، واستقلاله الشامل ، لأنّ الأعداء لن يجدوا فيه ثغرة يستعبدوه من خلالها ، فلا المال والجاه والثناء يغريه ولا السجن والتهجير والإعدام يخيفه.
ثانيا : إنّه يضمن استقامته على الطريق دون تعب ، لأنّ النفس يؤلمها مخالفة الناس ، وملامتهم وجراحات ألسنتهم ، أمّا هو فقد تعالى بإذن الله عن لومة اللائمين ، ولدغات الجاهلين.
ثالثا : لا يكون شنآنه وبراءته من الناس بعصبية أو ظغينة ، بل لفرط حبه لله وحبه للناس فهو يستقبل من يئوب إلى الحق بترحاب ، وهكذا لا يستمرئ الاعتزال ، ولا يجعل بينه وبين الناس حجابا من الكبرياء والعصبية.
(قُلْ إِنَّ الْخاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَلا ذلِكَ هُوَ الْخُسْرانُ الْمُبِينُ)
نعم. يخسر الإنسان في ذلك اليوم كلّ شيء ، نفسه حيث لا يتمتع شيئا ، ويخسر أهليه فلن يراهم في ذلك اليوم إذا كانوا مؤمنين ، ويحرم من شفاعتهم ، لأنّه لا