والرجاء.
وقال الفخر الرازي : إنّ المقامين المذكورين في الآية «تقشعر وتلين» لا يجب قصرهما على سماع آية العذاب والرحمة ، بل ذاك أوّل المراتب ، وبعده مراتب لا حد لها ولا حصر في حصول تلك الحالتين.
ثم تناول هذا المفسر الكبير الفرق بين حالة المؤمنين عند تلاوة الكتاب ، وحالة الوجد الصوفية عند سماع أشعار الهجران والوصل ، وقال : إنّ الشيخ أبا حامد الغزالي أورد مسألة في كتاب «إحياء علوم الدين» وهي أنّا نرى كثيرا من الناس يظهر عليه الوجد الشديد التام عند سماع الأبيات المشتملة على شرح الوصل والهجر ، وعند سماع الآيات لا يظهر عليه شيء من هذه الأحوال ، ثم إنّه سلم هذا المعنى وذكر العذر فيه من وجوه كثيرة ، وأنا أقول : إنّي خلقت محروما عن هذا المعنى ، فإنّي كلّما تأمّلت في أسرار القرآن اقشعرّ جلدي ، ووقف عليّ شعري ، وحصلت في قلبي دهشة وروعة ، وكلّما سمعت تلك الأشعار غلب الهزل عليّ ، وما وجدت البتة في نفسي منها أثرا ، وأظن أنّ المنهج القويم والصراط المستقيم هو هذا ، ثم ذكر وجوها في بيان ذلك تتلخّص فيما يلي :
أولا : إنّ تلك الأشعار لا تليق بمقام الخالق ، وإن إثباتها في حقّه كفر.
ثانيا : إنّ قائل القرآن هو الله عبر جبرائيل إلى الرسول إلينا ، بينما قائل تلك الأشعار شاعر كذّاب مملوء من الشهوة وداعية الفجور.
ثالثا : إنّ مدار القرآن الدعوة الى الحق ، ومدار الأشعار الباطل. (١)
وأقول : إنّ تلك الأشعار تثير شهوات البعض ، وتدغدغ عواطف الهوى المكبوتة
__________________
(١) راجع التفسير الكبير / ج (٢٦) ص (٢٧٣).